ربما لم يشهد اي اتفاق سياسي، الصعوبة في التقدم، او التناقض في الاقوال والافعال، والخلاف حتى بين الحلفاء، مثلما شهد سير المفاوضات النووية الجارية منذ اكثر من 14 شهرا بين ايران والدول الكبرى (5+1)، والتي رعتها بشكل مباشر الولايات المتحدة الامريكية، وتحديدا ادارة الرئيس الامريكي "بارك اوباما"، وربما يكون مصدر هذا التضاد والغموض عدة عوامل ساهمت في بناء هذا المناخ العام:
1. السرية التي احيطت بالمفاوضات النووية مع انطلاقتها وحتى اللحظة، وان اغلب ما يصدر من اقوال المسؤولين لا ينم عن تصريحات واضحة وصريحة، وفي الغالب يتم الاعتماد على التسريبات والتصريحات لمشاركين على هامش الاجتماعات الرئيسية، وهي تصريحات لا يمكن ان يعول عليها كثيراً.
2. المعارضون من الداخل (الولايات المتحدة الامريكية وايران)، كالجمهوريين في الكونغرس الامريكي والمحافظين من اتباع المرشد الاعلى لإيران (وهم المسيطرون على السلطة في ايران ولا يتقبلون اغلب افكار الاصلاحيين في الحكم والحريات العامة)، اضافة الى المعارضة (من الخارج) القوية التي ابداها حلفاء الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط (خصوصا اسرائيل والسعودية)، والتي وصلت الى حد الجفاء مع الإدارة الامريكية الحالية.
3. ازمة الثقة المتراكمة بين الطرفين، والتي استمرت لأكثر من 3 عقود من الزمن، وما زالت مستمرة (من قبل المشككين على الاقل) حتى اليوم، خصوصا عندما تكون هناك مفاوضات جادة تتعلق بموضوع حساس (النووي والعقوبات والتقارب مع الغرب)، بين دولة تعتبرها الولايات المتحدة الامريكية في الادارة السابقة (الجمهوريين) احدى دول محور الشر، بينما يطلق على الاخيرة داخل ايران (من قبل المحافظين او المتشددين)، "الشيطان الاكبر".
4. التفاصيل الدقيقة (الفنية والسياسية) التي تناولها مشروع الاتفاق النووي، وهو امر عبر عنه مختصون بأنه صعب للغاية ودقيق جدا، وبما ان الطرفين لا يريدان ان يتعرضا للخداع من قبل الطرف الاخر، فان جملة من العقبات اعترضت طريق المفاوضين اثناء تناول التفاصيل الدقيقة لمشروع الاتفاق.
5. القضايا الهامشية التي برزت اثناء مناقشة الاتفاق النووي، والتي غلب عليها الطابع السياسي، واثرت بشكل او بآخر على سير المحادثات النووية، والتي تعرض خلالها الطرفان الى ضغوط قوية من أطراف ولوبيات وجماعات ضغط عالمية، لتقديم تنازلات جانبية او للقبول بشروط اضافية، ومعظم هذه الضغوط تتعلق بالأحداث الجارية في سوريا واليمن ولبنان والعراق وغيرها من مناطق النزاعات في الشرق الاوسط.
الاتفاق قريب ام بعيد
الكل يتذكر عندما فاجأ اوباما الجميع في سبتمبر عام 2013، ردا على سؤال عما إذا كان اتصل بالرئيس الإيراني "لقد فعلت، وهو أيضا اتصل بي، لقد تواصلنا مباشرة"، كما اشار ايضا الى انهما تبادلا ارسال الرسائل (يذكر ان اوباما تواصل عبر الرسائل حتى مع المرشد الاعلى لإيران)، لكن اليوم لم يعد هناك اي مبرر لهذا التعجب، فخلال الاشهر الماضية، استطاع الفريقان ان يحققا الكثير من التقارب (ليس على المستوى النووي فحسب بل هناك الكثير من ملامح التقارب الدبلوماسي والسياسي والعسكري التي بدأت بالتكون)، وفي حال المقارنة بين عمر الصراع وعمر المفاوضات والتقارب، يمكن الاستنتاج ببساطة ان خطوات كبيرة تحققت، وربما التوصل الى اتفاق نووي (جزئي او شامل) هي مجرد مسألة وقت ليس اكثر، وربما ادرك المعارضون لإيران (من الخارج) هذه المعطيات، وبالتالي حفز لديهم مخاوف التقارب الايراني- الامريكي القادم، ما دعا نتنياهو لتحدي الرئيس الامريكي والذهاب مباشرة الى الكونغرس الامريكي للطلب من (الجمهوريين) الوقوف بوجه الاتفاق النووي (كمحاولة اخيرة)، اضافة الى ازمة الثقة التي نشبت بين الولايات المتحدة الامريكية وحليفها التقليدي في الشرق الاوسط (السعودية) منذ 8 عقود، والتي استدعت زيارة الرئيس الامريكي (لمرتين في اقل من عام واحد) الى المملكة من اجل تهدئة مخاوف الملك السابق "عبد الله" والملك الحالي "سلمان".
بقي ان نشير، الى المواقف والتصريحات التي باتت قريبه من بعضها الى حد التشابه، بين الرئيس الاصلاحي في ايران "روحاني" وفريق عمله، والرئيس الامريكي "اوباما" وادارته، سيما وان الاخير قد اشار الى ان اغلب القضايا الفنية قد تم حلها ولم يتبقَ سوى "الارادة السياسية"، فيما تحدث الرئيس الايراني (بعد اوباما بساعات) عن "اغتنام الفرصة"، فيما ناغمهما "خامنئي بالقول "سأقبل أي اتفاق"، طبعا مع التأكيد على ان لا يكون "اتفاق سيء"، وبالتواصل مع التصريحات الرسمية التي تهجم فيها روحاني على المتشددين داخل ايران بالقول "حينما نسألهم ماذا تفعلون، يجيبون إننا ننتقد والنقد شيء طيب، ولكن ليس هذا نقدا إنه تخريب للمصالح القومية"، فيما اشارت بعض التسريبات بان وزير الخارجية الايراني "جواد ظريف" (التي نفاها وزير الخارجية الايراني لاحقا) اكد لوزير الخارجية الامريكي "جون كيري" ان "عدم التوصل لاتفاق نووي ينذر على الأرجح بتضرر النفوذ السياسي للرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني"، كما تحدث الطرفان حول عدم ضرورة التمديد لمدة اضافية (التي ستنتهي في 30 يوليو/ حزيران)، حيث اشار ظريف بالقول "لا أعتقد أن أي تمديد آخر سيكون في مصلحة أي طرف إذ لا أرى أن هذا التمديد كان ضروريا أو مفيدا"، بينما ذكر اوباما في اليوم التالي "إن تمديد المهلة التي تنتهي في مارس اذار (وهي المهلة قبل النهائية) للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران لن يكون مفيدا اذا لم توافق إيران على اطار عمل أساسي يضمن للقوى العالمية انها لا تنفذ برنامجا لإنتاج الاسلحة النووية".
اضف تعليق