تختلف الانظمة السياسية باختلاف الدول التي تتبناها، وذلك وفقاً لطبيعة وتركيب وتاريخ تلك الدول، وبطبيعة الحال فأن قوانين الانتخابات تتنوع بتنوع الانظمة السائدة فيها.
وفي هذا السياق سنتكلم عن الدول الديمقراطية ذات التداول السلمي للسلطة، فالنظام الرئاسي له طرق انتخابية معينة فعلى سبيل المثال : ان اليَّات انتخاب الرئيس الامريكي هي من اصعب الطرق على المستوى العالمي والتي تمر بمراحل عدة ومعقدة ومن ثم لم يكن انتخاب الرئيس الامريكي بصورة مباشرة وإنما كان عبر ما يعرف بـــ نظام المندوبين، ولعل هذا التعقيد في كيفية الانتخابات يرجع لأسباب تاريخية تتمثل في رؤية الاباء المؤسسين لها، وعلى والرغم من الظروف المحيطة بالدولة آنذاك بعد الحرب الاهلية الا انه ما زال العمل بالنظام القديم نفسه.
اما النظام البرلماني في بريطانيا فله طرق وقوانين انتخابية تتوافق وطبيعة النظام البرلماني في انتخابات ممثلي الشعب الذين يقع على عاتقهم التصويت على الحكومة التي تنبثق من الحزب الحاصل على اغلبية مقاعد مجلس النواب، وحتى على مستوى النظام الواحد تتعدد طرق ووسائل الانتخابات مع وجود تغيرات تختلف باختلاف ظروف تلك الدول.
اما في العراق فالوضع فيه يختلف بعض الشيء ففي الفترة التي تولى فيها حزب البعث السلطة كانت السلطة فيه آنذاك تتسم بالحكم الدكتاتوري والتمسك بالسلطة والتفرد بالحكم، ولذلك كانت الثقافة الانتخابية للمواطن مسيرة من لدن الحاكم وموجهة بشتى الطرق والوسائل من ترهيب وترغيب وإقناع للناخب بضرورة التصويت للرئيس والاستعانة ببعض الاقوال والمشاهد والطرق الملتوية لجذب الجمهور وإقناعه بأن ما يجري في الساحة هو نموذج ديمقراطي وانتقال سلمي للسلطة، ولعل الامر قد اقتنع به بعض الناس لا سيما من هم غير مدركين لما يجري او من هم من الطبقة العامة والذين لا يهتمون الا بسبل توفير متطلبات المعيشة، وكذلك إنها تتأثر بما ينقل اليها عبر شاشات التلفاز، وهذا الامر و بطبيعة الحال قد ساهم بصياغة ثقافة انتخابية محدودة لدى المواطن ؛ وذلك بسبب انغلاق الافاق الانتخابية وما حولها لدى الناخب ومحدودية الحركة لديه ولا توجد خيارات امام الناخب لأنه مجبر على التصويت بنعم لشخص القائد وهنا قد قيدت الاراء واختزلت باتجاه الشخص الواحد ومن ثم لا توجد اصلاً انتخابات بمفهومها الديمقراطي حتى توجد معها ثقافة انتخابية.
وبعد التغيير السياسي الذي حصل في العراق في عام 2003 م وانفتاح العراق على جبهة من التعددية السياسية والحزبية المفرطة والدخول بمرحلة التحول الديمقراطي، فقد واجه الناخب العراقي ضبابية حول مسألة الانتخابات، ولعل هذه الضبابية كانت متعمدة بعض الشيء؛ نتيجة لإدخال المواطن في دوار الاحزاب والحركات والكتل السياسية والمجيء بنظام انتخابي جاهز ومطبق في دول تمت صياغته فيها وفقاً لمقاييسها بمعنى آخر انه قد تم صياغة النظام الانتخابي بحسب ظروف وبيئة ومحيط وطبيعة تلك الدول حيث تمكنت هذه الدول من السير على نظام انتخابي يتلاءم معها ومع تجربتها وطموحها وتطلعات شعوبها، ومن ثم فان ثقافة المواطن الانتخابية في هذه الدول بُنيت على منهج معين استطاع هذا المنهج ان يجعل المواطن مضطلعاً بآلية الانتخابات وكيفية التعبير وأسس الاختيار بغض النظر سواء شارك المواطن بتلك الانتخابات او لم يشارك المهم انه قد ادرك لما يحصل حوله.
والوضع يختلف في العراق، فأغلبية الناخبين هم ليسوا على اطلاع تام بطبيعة وشكل النظام السياسي فيه حيث كانوا في كثير من الاحيان يدلون بأصواتهم نتيجة لممارسة أساليب الترهيب او الترغيب معهم، حيث تكرر هذا الامر في احيان عدة وذلك في انتخابات الجمعية الوطنية او التصويت على الدستور فخرجت الجموع من منطلق الحفاظ على المذهب او القومية للتصويت، وذلك بعد دعوات رفعت من رجال السياسة او من رجال الدين، في حين لم ينظر الناخب الى القوائم الانتخابية وما تحويه من اشخاص وما هي مؤهلات وبرامج هؤلاء الاشخاص، هذا من جانب ومن جانب آخر ان اغلب الاحزاب الحالية هي احزاب اشخاص فيكون التصويت لأعضاء الحزب الاخرين او الكتلة الانتخابية مبنياً على مقبولية زعيمهم وليس على برنامجهم الانتخابي، اما النموذج الثالث هو ان كثيراً من الناخبين يتأثرون بالخطاب الانتخابي وهذا ما لعب الكثيرون عليه ممن تم انتخابهم اذ يخرج المرشح ومن على شاشات التلفاز ويبني خطابه بحسب الظرف الراهن بمعنى ان كانت الاجواء مشحونة طائفياً يستخدم اسلوب التهجم على الاخرين والدفاع عن طائفته متخذاً من نفسه المدافع الاول عن ابناء الطائفة، وان كانت الاجواء ذات شد قومي فيضرب على وتر القومية.
فيما يرى بعض الناس أن المواطن العراقي (الناخب) بشكل خاص يقع ما بين تأثيرين الاول هو الاحزاب والقوى السياسية والظروف الامنية وهذه الامور كلها تشتت من ادراك الناخب لآلية التصويت وكيفية الاختيار مما تجعله في اغلب الاحيان يتأثر بشعارات تلك الاحزاب ومن ثم فهو يصوت نتيجة لتلك المؤثرات وليس على اسس منطقية يحسن الاختيار فيها وهذا الامر يفسر لنا تراجع عدد كبير من المواطنين وإحساسهم بعدم حسن اختيارهم ولكن يتولد هذا الشعور بعد فوات الاوان اي بعد مضي الانتخابات وصعود اشخاص ربما غير مؤهلين وربما اطلقوا وعوداً تتلاشى بمجرد صعودهم للبرلمان او السلطة التنفيذية.
اما المؤثر الثاني : فهو حداثة التجربة وقلة الوعي الانتخابي وهذا المبرر قد فنده بعض الباحثين والسبب في ذلك ان العراق قد شهد اكثر من سبع مراحل انتخابية ما بين انتخابات مجلس النواب او مجالس المحافظات او التصويت على الدستور ومن ثم كان من المفروض ان تتبلور لديه الخبرة الكافية لا سيما بعد خوضه لأغلب هذه الانتخابات وكان شاهداً على نتيجة الاختيار غير الصائب حتى وان خضع لكافة الظروف او تبادل الادوار، وبالنتيجة فأن الثقافة الانتخابية للمواطن العراقي لا تزال دون مستوى الطموح وكل المواطنين يتحملون هذه المسؤولية ابتداءً من المواطن ذاته مروراً بالأحزاب والقوى السياسية ومفوضية الانتخابات ورجال الدين والطبقة المثقفة و اما المعالجة فتحتاج الى خطوات عملية تزيل الغبار الحاصل وتبين حقيقة ما يجري في الساحة.
وبالطبع توجد هناك مجموعة من الحلول لهذا الامر وأهمها ما يأتي:
1- في الوقت الذي اتجهت فيه الانظار صوب اقرار قانون الاحزاب السياسية نتأمل أن تنظم تلك الاحزاب عملها والسعي لإيجاد احزاب البرامج الديمقراطية النموذجية، حتى لا يتشتت ذهن الناخب والخروج بأحزاب تتسم بالنوعية وليست بالكمية ولكن ما حصل عكس ذلك فتضاعف عدد الاحزاب، وهنا لا بد من اعادة النظر نحو إلزام مفوضية الانتخابات بتطبيق معايير تقنن من تلك الاحزاب.
2- يقتضي الظرف من رجال الدين حث الناس على حسن الاختيار في التصويت وليس على المشاركة فحسب لان الصوت هو امانة في اعناقهم.
3- على الطبقة المثقفة من المجتمع النزول الى الشارع وتوعية المواطنين وإيصال المفاهيم الانتخابية لمسامعهم وإرشادهم وتنبيههم لمخاطر وآثار التصويت العشوائي.
اضف تعليق