بعد ان اعلن رئيس الدائرة الانتخابية بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن حصول موافقة الرئاسات الثلاث -رئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان- على تأجيل موعد انتخابات مجالس المحافظات من موعدها المرتقب في شهر نيسان من العام المقبل 2017 وهو الموعد المحدد لإجرائها والتعويض بدل ذلك بإمكانية دمجها مع انتخابات مجلس النواب والمقررة في سنة 2018، وجاء هذا القرار مدعوماً بنشر وثيقة رسمية تثبت ذلك وحملت تواقيع الرئاسات الثلاث مع الايحاء بوجود اجماع من قادة الكتل السياسية على هذا القرار وبطبيعة الحال مثل هكذا قرار لن يمر دون حدوث موجة من التشكيك وتبادل الاتهامات حول عدة مسائل تتعلق بالبعد القانوني للموضوع وهل توجد مخالفة دستورية فيه؟ كما وان البعض ارجعه لأهداف سياسية فيما البعض الاخر ارجعه لظروف البلد المحتدمة، وهنا لا بد من تسليط الضوء على الموضوع من زوايا عدة ومنها:

1- البعد القانوني

بالنسبة لإصدار هكذا قانون وهل هو مخالف للدستور ام انه مطابق له فللخبراء رأي فيه اذ بحسب الخبير القانوني طارق حرب فان القرار الصادر من هذه الرئاسات لا يحتاج الى موافقة اية جهة سواء كانت موافقة البرلمان او موافقة مجلس الوزراء او موافقة مفوضية الانتخابات او موافقة مجالس المحافظات او موافقة اي جهة اخرى. وإنما يعد قرارا دستوريا قانونيا وأيد ذلك بأن الدستور لم يحدد المسائل الخاصة بانتخابات مجالس المحافظات فلم يحدد موعد انتخابات هذه المجالس في حين ان الدستور عندما تكلم عن مجلس النواب حدد موعد اجراء انتخابات مجلس النواب اي اوجب الدستور اجراء انتخابات البرلمان قبل 45 يوما من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية وحدد مدة الدورة الانتخابية بأربع سنوات تقويمية طبقا لإحكام المادة (56) من الدستور وبما ان اول جلسة للبرلمان كانت يوم 2014/7/1 فان انتخابات البرلمان يجب ان تحصل قبل يوم 2018/5/16 وهذا الموعد لإجراء انتخابات البرلمان حدده الدستور ولم يترك ذلك للقانون.

مؤكدا ان الدستور اورد لمجالس المحافظات فقط سلطة مجلس المحافظات في انتخاب المحافظ فقط طبقا للمادة (122) من الدستور ولم يتكلم الدستور عن انتخابات مجالس المحافظات او موعدها او مدتها اي مدة الدورة الانتخابية كذلك فلا يوجد قانون يحدد موعد الانتخابات الجديدة لمجالس المحافظات ذلك ان قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (36) لسنة 2008 حدد موعد الانتخابات السابقة اي موعد انتخابات 2013 التي افرزت مجالس المحافظات الحالية التي تنتهي دورتها الانتخابية في شهر نيسان 2017 لإكمال مدة الاربع سنوات كذلك فان قانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008 وقانون مفوضية الانتخابات رقم (11) لسنة 2007 لم يحددا ايضا موعد اجراء انتخابات مجالس المحافظات الحالية عند انتهاء المدة المذكورة والتي تنتهي في شهر نيسان 2017 والتي كان من المؤمل اجراء انتخابات مجالس المحافظات في هذا الموعد.

ولذلك فانه لا يوجد حكم دستوري او قانوني يحدد موعدا لانتخابات مجالس المحافظات وان قرار الرئاسات الثلاث لم يؤجل الانتخابات لأنه لا يوجد موعد لكي تتولى الرئاسات تأجيله وإنما انصب القرار على تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات وهو شهر ايار 2018.

مبيناً ان تمديد الدورة الانتخابية يحتاج الى بيان رأي الشعب لان الشعب انتخب مجالس المحافظات على اساس دورة انتخابية لمدة أربع سنوات فقط وفي حالة التمديد حتى ولو ليوم واحد لا بد من الرجوع الى الشعب اي ان اعضاء مجالس المحافظات يفقدون صفتهم ورواتبهم وامتيازاتهم وسياراتهم وحمايتهم في شهر نيسان 2017 ولا يجوز تمديد عملهم سواء كان التمديد بقانون او بقرار من الرئاسات لان تحديد مدة الدورة الانتخابية بالنسبة لمجالس المحافظات هو الشعب الذي انتخبهم لمدة أربع سنوات فقط (1).

2- البعد الامني:

بطبيعة الحال يشهد العراق ومنذ العام 2003 تدهوراً امنياً الا ان مخاطره ازدادت بعد سيطرة تنظيم داعش الارهابي على قرابة ثلث مساحة العراق قبل ان تتقلص بجهود القوات الامنية والمتطوعين في صدهم ومواجهتهم وتقليص نفوذهم ولم يتبقى سوى قرابة نصف مدينة الموصل والتي تشهد عمليات عسكرية لطرد التنظيم منها ويتوقع انجاز المهمة قبل نهاية العام الحالي، مع ذلك فقد ترك التنظيم مدن مهدمة وخسائر مالية ومعنوية وبشرية هائلة، كما وان التحدي الاكبر هو وجود قرابة الثلاث ملايين نازح موزعين داخل العراق أما في مخيمات او في مناطق هي خارج محل سكناهم، ولهذا ربما البعض يرجع سبب التأجيل للوضع الامني فهناك صعوبة في اجراء انتخابات مجالس المحافظات في الوقت الراهن اذ ان خطر تنظيم داعش لازال قائما فضلاً عن توجه الدولة بمختلف اجهزتها لا سيما الامنية الى تركيز جهودها على محاربة التنظيم وبهذه الحال لا يمكن تأمين اجواء الانتخابات وسط هذه المخاطر، كذلك ملف النازحين، ففي الوقت الذين يطمح النازحون والمبعدون في العودة لديارهم وأعمار مناطقهم لا يمكن اقناعهم بالاشتراك في الانتخابات وسط هذا الدمار، كما وان المفوضية تواجه بعض الصعوبات في الوصول لجميع المهجرين او تحديث سجل بياناتهم وإحصائهم ناهيك عن الموضوع المالي في ايجاد صعوبة بتخصيص مبالغ كافية لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر.

3- البعد السياسي:

نادراً ما يصدر قرار في العراق دون أن يحمل خفايا سياسية وسواء كان هذا القرار ذا مدلول قانوني او اقتصادي او اجتماعي... وعلى هذا الحال يصار الى تفسير اغلب القرارات التي تصدر بمختلف جوانبها، وبطيعة الحال فان قرار الرئاسات الثلاث مؤخراً حول دمج انتخابات مجالس المحافظات مع موعد اجراء انتخابات مجلس النواب لعام 2018 لا يخلو من اسباب سياسية، فكما هو معروف ان ائتلاف دولة القانون بزعامة السيد المالكي كان قد سيطر على عدد من مجالس المحافظات في مناطق وسط وجنوب العراق فيما يسيطر التيار الصدري على منصب محافظ العاصمة بغداد ومحافظة ميسان كما وان محافظ البصرة وواسط هم من حصة المجلس الاعلى وبهذا فأن بقية المحافظات الوسطى والجنوبية اضافة الى ديالى تديرها الكتل المنضوية تحت ائتلاف دولة القانون.

وفي هذا الوقت ونظرا لحجم الاختلاف ما بين السيد المالكي والسيد العبادي ربما سيدخل السيد العبادي بقائمة مغايرة لائتلاف دولة القانون ومع تزايد التأييد والقبول الشعبي للسيد العبادي لا سيما بعد انطلاق عملية تحرير الموصل فقد يكون التأجيل يصب في مصلحة المسيطرين الان، وربما جاءت موافقة السيد العبادي على التأجيل نتيجة ضغوط مورست للسبب انف الذكر، كما وان بعضاً من الاسباب السياسية موجهة للحشد الشعبي لا سيما بعد تحقيقه لانتصارات على الارض واغلب فصائل الحشد هي تتبع لجهات سياسية، فالبعض يخشى ان يستدعى عامل القوة في فرض بعض النتائج او حتى الترهيب او الترغيب من لدن البعض الاخر.

اما بالنسبة للمحافظات السنية فهي اصلا غير مؤهلة لإجراء تلك الانتخابات في الوقت الراهن لأسباب عدة في مقدمتها الوضع الامني وملف النازحين، فقادة الكتل السنية يدركون جيداً ازدياد الفجوة بينهم وبين قاعدتهم الشعبية نتيجة حجم الضرر الذي اُلحق بهم وبمناطقهم جراء السياسات المتخبطة التي ادت الى توريطهم والوصول بهم الى حالة الدمار بذريعة التهميش وما شابه، وهم يعون حجم رفضهم الشعبي مع صعود بعض القيادات المحلية سواء العشائرية او غيرها والذين كانت لهم وقفات عديدة مع الجمهور السني خلال فترة النزوح وغيرها وهؤلاء بطبيعة الحال سيتصدرون المشهد في حال اجراء الانتخابات بموعدها، وهذا ما يتخوف منه قادة السنة التقليديون لذلك أي تأجيل سيصب بصالحهم املاً منهم في ارجاع نوعاً من الثقة او التأييد وربما مدة العام ستتيح لهم هكذا فرصة.

توصيات:

1- بعد الاتفاق على التأجيل هناك فرصة اتيحت لمفوضية الانتخابات بمجالات عدة أبرزها اعطاء فرصة لمن لم يتمكن من تحديث سجله الانتخابي كذلك لا بد من ادخال اليات ومعدات تساهم بمزيد من الشفافية في اجرائها ايضاً، ولا بد للمفوضية ان تجري مزيداً من التأكد والتحقق من بيانات الاحزاب ومدى مطابقتها لقانون الاحزاب فليس العبرة بكثرة الاحزاب وإنما مدى التزامها بشروط قانون الأحزاب واستبعاد المخالف منهم لا سيما من يملك اجنحة مسلحة او يلجئ للترهيب او يستخدم المال السياسي او يستغل دوائر الدولة في نشر افكاره او دعاياته.

2- هنالك فرصة لإصدار قرار ينص على تقليل عدد اعضاء مجالس المحافظات الى النصف خصوصاً بعد ان عرفنا أنه لا توجد مخالفة دستورية في هذا الامر على العكس من عدد اعضاء مجلس النواب وهذه الخطوة تتناسب مع الاصلاحات وتقلل النفقات وتمنع الهدر.

3- من الافضل ايجاد نظام انتخابي يتناسب مع طبيعة المرحلة في العراق يأخذ بنظر الاعتبار التجارب السابقة ودراسة الاخطاء التي رافقت تلك التجارب والتي ادت الى مشاكل متراكمة.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

.........................................
(1) ينظر: وكالة النبأ للاخبار، والتي اوردت عن الخبير القانوني طارق حرب بما ادلى به حول دستورية قرار تأجيل الانتخابات. وعلى الرابط التالي:
http://n.annabaa.org/news14140

اضف تعليق