تتفرع وسائل الإعلام إلى عدة انواع إلا إن الأساس منها والمتعارف عليه هي (المرئية والمقروءة والمسموعة) وبنفس الوقت كلاً منها يتفرع إلى أقسام، فالمرئية تضم كل ما يمكن مشاهدته من القنوات والبرامج وشبكة الانترنيت وما سواها من الأمور التي يمكن مشاهدتها حركياً، في حين تضم وسائل الإعلام المقروءة كل ما يمكن قراءته دون الاستماع اليه ومنها الصحف والمجلات والنشرات وما ينشر من كتابات على شبكة الانترنيت، أما المسموعة فهي تلك التي تصل للمتلقي عن طريق السمع كالراديو وغيره، جميعها شهدت تطوراً ملحوظاً ومتسارعاً جعلت العالم كالقرية الصغيرة عبر نقل الأحداث بالسرعة الفائقة وجذب المتلقي عبر طرق تؤثر فيه وبسلوكه وثقافاته وحتى بوضعه الاجتماعي وتتضح اهميتها جلياً عبر تسميتها بالسلطة الرابعة اي تأتي اهميتها بعد السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.
بالانتقال لحالة العراق فقد شهد تحول مفاجئ وخطير على المستوى الإعلامي ففي حقبة حكم حزب البعث كان انتشار وسائل الإعلام محدوداً جداً وعلى كافة المستويات أنفة الذكر كما وإنها كانت مقيدة ومحاطة بسلوكيات معينة تحددها السلطة فتمنع ما تراه لا يصب في صالحها وطبيعة توجهها كما وإنها تقمع الحريات الصحفية وتعتقل منتقدي توجهات السلطة وتقيد القلم الصحفي بقيود لا حدود لها وتجبر البعض على مديح سياساتها وتبرير مواقفها وتعمل على صناعة تنشئة سياسية موجهة لصالح الولاء المطلق لنظام صدام، كيف لا وكان أمام المواطن المتلقي نمط واحد مكون من قناتين أو ثلاثة وجميعهم يمجدون النظام والأمر ينطبق على بقية الوسائل المتاحة والتي تعمل بطرق متعددة تجذب المتلقي وتؤثر فيه على وفق أساليب ملتوية كأن تبث مقاطع يظهر وفقها الرئيس بمظاهر القوة والرعب والجبروت كما هو الحال بقاعة الخلد او تبث مقاطع للكيفية التي ترعى بها السلطة الأيتام وعوائل الشهداء أو بث برامج تبين من خلالها بان طبيعة النظام ديمقراطي.
كما وإنها تعمل ليلاً نهاراً على عسكرة المجتمع عبر بث الأناشيد الحماسية وصور المعركة وتخط مسارات النصر بمزاجها في حين عديد الضحايا يملئ البيوت، ايضاً بين الحين والحين تعمل على إظهار رعاية الجنود بمختلف النواحي في حين جزءاً من الجنوب لا يملك قوتاً له ولعائلته، وحتى على مستوى الهيكل السياسي فتعمل على نقل الكيفية التي تتم وفقها إدارة شؤون البلاد ووجود مجلس وطني ومجلس وزراء ووجود تداول سلمي للسلطة وإعادة انتخاب الرئيس بما نسبته 99%، وفي حالة وجود معارضين فإنها تطلق عبارة المخربين أو الغوغاء عليهم لتبرير زجهم أو إعدامهم أمام الرأي العام.
وسط هذه القيود واحتكار الإعلام لصالح السلطة ومنع انتشار الانترنيت واستخدام أجهزة الاستقبال الفضائي وغيرها حدث وبصورة مفاجئة بعد عام 2003 إفراط في المجال الإعلامي دفعة واحدة ودون المرور بحالة التدرج وهذا بدوره قد خلف اثراً واضحاً على ذهن وسلوك وخيارات وتوجهات المتلقي لا سيما إن هذه القنوات تعمل دون ضوابط محددة إضافة لوجود قرابة ال50 قناة عراقية جزءاً كبيراً منها تعود لأحزاب وتيارات وسياسيين كما وان القنوات العالمية والعربية والتي لها مصالح داخلية تعمل بنمط سلوكي لتوجيه ذهن المتلقي نحو هدف مرسوم، ايضاً بعضاً من تلك الوسائل مسلط للتنكيل بمجمل العملية السياسية والعمل على إيجاد مخرج تخريبي لها فيما البعض الآخر لا شأن لها سوى التسقيط بخصومه السياسيين وبطبيعة الحال هنا الأمر متبادل كلاً يشن هجومه على الأخر عبر طرق متعددة يهدف من ورائها للحصول على مكاسب تمكنه من التفوق على الآخر والأخطر ما في الأمر وسائل التواصل الاجتماعي كونها تحضي بنسب مشاهدة كبيرة دون قيود أو شروط لذلك فهناك جهات تستغل الأمر لنشر أفكار متطرفة أو لإسقاط جهة سياسية معينة أو للتأثير على المواطن البسيط عبر إدخاله بهذا الصراع سواء كان يعلم أو لا يعلم.
وفيما يتعلق بالموضوع الانتخابي فوسائل الاعلام تلعب دوراً رئيسياً عبر التأثير في خيارات الناخب لذلك بعضاً من القوى السياسية تمتلك وسائل اعلام مختلفة تصوغ من خلالها افكارها وتعمل على استقطاب الجمهور نحوها عبر برامج سياسية واجتماعية واقتصادية مغلفة بإطار معين هدفه الفوز بأصوات الناخبين، كما وان بعضاً من وسائل الاعلام تعود ملكيتها لأناس تجار يعتاشون على ابتزاز الاخرين لا سيما من هم في السلطة سواء كانت قضايا الابتزاز صحيحة ام لا وبالتالي تخضع للمساومة وصولاً لعقد صفقة مالية ما بين الطرفين وهذا ما يفسر لنا توجه بعضاً من تلك القنوات لشن حملات ضد سياسيين او تجار وتلاشيها بعد فترة، او بعضاً يعمل على كثرة الظهور الاعلامي مع اقتراب موعد الانتخابات وهذا ما سيلاحظ في الاشهر القادمة ولكن بأساليب مختلفة فبعضاً سيلوح بالورقة الطائفية او القومية عاداً نفسه مدافعاً عن قاعدته الشعبية والتي لم تراه الا مع اقتراب الانتخابات، ايضاً البعض سيرتدي البزة العسكرية ويبالغ بالظهور على مختلف جبهات القتال والتي لم يزورها طيلة المدة السابقة.
ما نريد قوله ببساطة ان دور وسائل الاعلام المختلفة هو سلاح ذو حدين يمكن من خلاله الوصول بسرعة للمتلقي لا سيما الناخب، الذي يمتاز بسرعة التأثر بما ينقل اليه من احداث. لذلك هناك مسؤوليات مشتركة تقع على عاتق الجميع لمنع التأثير السلبي لوسائل الاعلام من خلال:
1- مسؤولية حكومية: وتقع على عاتق مفوضية الانتخابات خاصة عبر العمل على وضع ضوابط تحدد من خلالها طرق ووسائل الدعاية ومنع الترويج الطائفي او القومي ومحاسبة من يخالف والعمل على مراقبة ذلك.
2- مسؤولية وسائل الاعلام كافة بعدم الترويج للبرامج او الاشخاص بطريقة غير واقعية وتجنب اللجوء للإثارة الطائفية او استغلال المواطن لبث خلافات ما بين اقطاب العملية السياسية.
3- مسؤولية الناخب: فالناخب هو محور العملية الانتخابية والذي يحمل امانة الصوت عبر تحديد خياراته بواقعية بعيداً عن المؤثرات الجانبية كون الامر سينعكس عليه وبالتالي يتحمل نتائج خياره الخاطئ في المستقبل.
اضف تعليق