وهذا ما شاهده المسلمون أولاً، والعالم ثانياً من المظالم التي اقترفتها جملة من الحكومات (الإسلامية)! ابتداءً من معاوية ومن سبقه من الغاصبين وانتهاء بسقوط آخر خليفة عثماني في تركيا، فقد حمل أكثرية أهل العالم انطباعات سيئة عن الحكومة الإسلامية ظناً منهم أن (الحكومة الإسلامية) هي التي أدارها الأمويون والعباسيون ومن إليهم فرأى الناس (مسلمين وغير مسلمين) أن في قيام الحكومة الإسلامية إعادة للمأساة، ولذا أخذت الجلود تقشعر من اسم (الخليفة) و(الأمير) و(الحكم الإسلامي) وما أشبه.
ومن الواضح أن ذلك لم يكن ذنب الإسلام، وإنما كان ذنب المسلمين الذين رضوا بأن يحكمهم مثل أولئك الحكام المنحرفين عن الإسلام وقد ورد في حديث تقدم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجوب عزل الحكام الظالمين لكن المسلمين ـ غالباً ـ خنعوا وخضعوا وقبلوا بحكم أولئك لأسباب مختلفة، فقسم طمعاً، وقسم خوفاً وقسم حياداً.
وكان الامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، قد فرضت عليه الاقامة الجبرية والتضييق واعتقال ابنائه واصدقائه ومريديه، لا لشيء الا لانه رفض ان يسكت عن قول الحق..
انه الاستبداد السياسي والديني الذي عانى منه.
والاستبدادُ لغةً هو: غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النّصيحة، أو الاستقلال في الرّأي وفي الحقوق المشتركة.
ويُراد بالاستبداد عند إطلاقه استبداد الحكومات خاصّةً؛ لأنّها أعظم مظاهر أضراره التي جعلتْ الإنسان أشقى ذوي الحياة. وأما تحكّم النّفس على العقل، وتحكُّم الأب والأستاذ والزّوج، ورؤساء بعض الأديان، وبعض الشركات، وبعض الطّبقات؛ فيوصف بالاستبداد مجازاً أو مع الإضافة.
الاستبداد في اصطلاح السّياسيين هو: تَصَرُّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة، وقد تَطرُق مزيدات على هذا المعنى الاصطلاحي فيستعملون في مقام كلمة (استبداد) كلمات: استعباد، واعتساف، وتسلُّط، وتحكُّم. وفي مقابلتها كلمات: مساواة، وحسّ مشترك، وتكافؤ، وسلطة عامة. ويستعملون في مقام صفة (مستبدّ) كلمات: جبّار، وطاغية، وحاكم بأمره، وحاكم مطلق. وفي مقابلة (حكومة مستبدّة) كلمات: عادلة، ومسؤولة، ومقيّدة، ودستورية. ويستعملون في مقام وصف الرّعية (المستَبَدّ عليهم) كلمات: أسرى، ومستصغرين، وبؤساء، ومستنبتين، وفي مقابلتها: أحرار، وأباة، وأحياء، وأعزّاء.
وحول نفس الموضوع كتب الكواكبي طبائع الاستبداد والذي يجعله السبب الرئيسي للانحطاط والتأخر في كل بلاد الشرق، فيقول عنه: “الاستبداد هو نار غضب الله في الدنيا، والجحيم نار غضبه في الآخرة، وقد خلق الله النار أقوى المطهّرات، فيطهر بها في الدنيا دنس من خلقهم أحراراً، وجعل لهم الأرض واسعة، فكفروا بنعمة الحرية، ورضوا بالاستعباد والظلم”.
ويبحث الكواكبي في كتابه العلاقة بين الاستبداد وشتى مجالات الحياة، مثل الاستبداد والدين، ورأى أن الاستبداد السياسي ناشئ عن الاستبداد في الدين، وما من مستبد سياسي إلا ويتخذ صفة قدسية يشارك فيها الله، أو يتخذ له بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس، وقد رأى الكواكبي أن الإسلام في جوهره الأصيل لا ينطبق عليه هذا الحكم، فهو مبني على قواعد سياسية تجمع بين الديمقراطية والأرستقراطية، والقرآن مملوء بتعاليم تقضي بالتمسّك بالعدل والخضوع لنظام الشورى، مثل قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، وهو ما كان معمولاً به في أيام النبي -صلى الله عليه واله وسلم- وبعد ذلك تحوّل الحكم من نظام يعتمد على الشورى إلى الاستبداد، ورضي الناس بالذل، فأضاعوا مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما ترتب عليه عدم نصح الرعية لحكامها، وبذلك تحققت حكمة الحديث النبوي الشريف: “لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليستعملنّ الله عليكم شراركم، فيسومونكم سوء العذاب”.
ولان الانظمة المستبدة لاترى نفسها في المرآة، فانها تسارع كثيرا الى انتقاد ما يحدث في الانظمة الديمقراطية من حركات اعتراض واحتجاج، مستعينة بالصراخ والاصوات العالية، كما كشفت عنه الاحداث في منطقة ميدويستيرن الامريكية، حيث منح الاهتمام العالمي بالتوتر والعنف الحكومات المستبدة في مختلف أنحاء العالم فرصة لإعطاء الولايات المتحدة جرعة دواء تعالج به مشاكلها المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون.
وقد صنف أحد الصحفيين في مؤتمر صحفي روتيني في وزارة الخارجية الامريكية مصر وإيران والبحرين وروسيا والصين وزيمبابوي بين الدول التي علق فيها مسئولون على الاحداث التي وقعت في بلدة فيرجوسون بولاية ميزوري.
ففي الصين كتب معلق في شينخوا "على الرغم من التقدم، مازال الانقسام العنصري مرضا مزمنا متأصلا يقسم المجتمع الامريكي كما ظهر في أحدث أعمال الشغب العنصرية في ميزوري". وردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية ماري هارف على الاتهامات قائلة "إننا في الولايات المتحدة نعرف كيف نعالج مشاكلنا بشفافية ووضوح وصدق مقابل ما يجري في أي دولة أخرى في العالم". وأضافت "عندما يكون لدينا قضايا هنا، نواجهها بتلك الطريقة كما رأيتم، سندعو الدول الاخرى على القيام بنفس الشيء ولسوء الحظ، لا نرى دائما ذلك، سنواصل دعوتهم للقيام بذلك".
اضف تعليق