اثارت قضية اعدام الرهينة الياباني الثاني "كينجي غوتو" سلسلة من التكهنات حول مصير الطيار الاردني "معاذ كساسبة" الذي اعتقله تنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش)، قبل اكثر من شهر، اثر اسقاط طائرته الحربية (اف 16) بصاروخ حراري، كما اثارت العديد من التساؤلات حول عملية "المبادلة المفترضة" برمتها، سيما وان الكثير من الغموض والريبة احاطت طريقة ادارة المفاوضات والجهة التي تقف خلفها وما حدث من تضارب في سقف المطالب بالنسبة للأطراف الثلاثة المعنية بالقضية (اليابانيون، الاردنيون، داعش)، وهو امر حسمه الاخير بإقصاء اليابانيين من اللعبة (بقتل الرهينة الثاني) واختيار المواجهة المباشرة بينهم (داعش) وبين السلطات الاردنية، التي يرى الكثير من المحللين ان داعش حاول استثمار هذه اللحظة بالذات ليحقق نجاحه في اثارة البعد القبلي ومسألة الولاءات الحيوية بالنسبة للملكة الاردنية، بعد ان فشل في اختراق الجهاز الامني والاستخباري القوي (داخل المملكة) بالاعتماد على المتعاطفين معه من التيارات السلفية والمتشددة في الاردن لإحداث هزات امنية تضعف النظام الاردني، وهو امر سعى اليه من قبل تنظيم القاعدة (عبر سلسلة التفجيرات الشهيرة عام 2005 والتي كانت احد المشاركين فيها الريشاوي التي يطالب بها تنظيم داعش الان) وجبهة النصرة (بعد الازمة السورية عام 2011) وداعش.
مؤشرات غامضة
وازدادت مؤشرات الصفقة غموضا عندما وافقت الحكومة الاردنية على مبادلة ارهابية محكومة بالإعدام، ثم رفض تنظيم داعش مقايضة "الريشاوي" بالطيار "الكساسبة"، بل بإطلاق سراح الرهينة الياباني والابقاء على "الكساسبة" في قبضة التنظيم، ربما ليتم مقايضته لاحقا بقيادات اخرى موجودة في سجون الاردن، ويبدو ان المفاوضات التي جرت بين الحكومة الاردنية واليابانية قد وصلت الى طريق مسدود قبل ان تسد قنوات التفاوض "الخلفية" بين الحكومتين وتنظيم داعش حول عملية المبادلة، فالحكومة اليابانية في وضع لا تحسد عليه، والرأي العام الياباني له اصداء مؤثرة وقوية عند الحكومة، وهذا ما يحاول تنظيم داعش العمل عليه، فبعد اعلان رئيس وزرائها "شينزو آبي" الانضمام الى التحالف الدولي (من خلال ارسال مساعدات غير عسكرية للدول المشاركة في التحالف)، تحولت الى هدف لداعش، ومن خلال اعدام الرهينتين اليابانيتين، فان تداعيات هذا الامر لن تمر بسلام على رئيس الوزراء الياباني.
اما الحكومة الاردنية، فالوضع فيها مختلف، فالولاءات القبلية اهم واقوى من الولاءات الاخرى، والحكومة تدرك ذلك جيدا، كما تدركه داعش ايضا، وبما ان "الكساسبة" ينتمي لاحد ابرز العشائر الاردنية القوية (قبيلة البرارشيه في مدينة الكرك جنوب الاردن) الموالية للملك، فلا يمكن بالنسبة للمملكة اتمام صفقة الرهينة الياباني من دون شمول "الكساسبة"، وهو امر رفضته داعش عن عمد، لإحراج الحكومتين (من خلال فرض الشروط وربما احراج الحكومتين في التفاوض حول افضلية الرهينة الاردني على الياباني او العكس وبالتالي تحمل الاردن جزءا من المسؤولية بمقتله)، واظهار السلطات الاردنية بمظهر العاجز (في حال تمت الصفقة)، من خلال رفع سقف المطالب لاحقا.
ضحايا سماسرة الرهائن
اغلب الظن ان تنظيم داعش لا يرغب بإطلاق سراح "الكساسبة"، وقد ينتهي مصيره كالرهائن السبعة الذين سبقوه، فداعش (كما ذكرنا في تحليلات سابقة) يعتمد كثيرا على الحملات الدعائية للترويج للتنظيم ودولة الخلافة الاسلامية المزعومة، ولا تعنيه "الريشاوي" ولا غيرها في اي امر، وقد حقق في سياق هذه الخطوة الكثير من الاختراقات التي تحسب لصالحه مقابل حكومتين (اضافة الى تدخل العديد من الاطراف الدولية الاخرى، ومن ضمنها بريطانيا التي اعلنت انها قدمت المشورة للحكومة اليابانية بخصوص عملية المفاوضات وتبادل الرهائن)، حتى ان الولايات المتحدة الامريكية اشارت على لسان كبير موظفي البيت الابيض في معرض تداعيات هذه القضية بالقول "سياستنا معروفة حول هذا الموضوع، نحن لا نتفاوض ولا نتبادل أو ندفع فدية وما يرتبط بذلك الأمر الذي ينعكس على قدرتهم في تنفيذ مخططاتهم"، ويمكن اجمال هذه الاختراقات بالتالي:
1. اجبار الحكومة الاردنية بالدخول في مفاوضات مباشرة (حكومة -تنظيم متطرف)، وان كانت الاشارة الى "خطوط خلفية" تتم من خلالها الوساطة، الا ان الكثير من التسريبات اشارت الى دخول المؤسسة العسكرية والامنية بمفاوضات مباشرة مع وسطاء مخولين من داعش.
2. موافقة الحكومة الاردنية على إطلاق ارهابية محكومة بالإعدام، واستبدالها بالطيار الاردني المحتجز لدى داعش.
3. داعش هو من يقود عملية المفاوضات وفرض الشروط بخلاف الحكومتين الاردنية واليابانية.
4. في حال اعدم داعش الرهينة الاردني، فان ضمان مرور هذا الحدث من دون تداعيات داخل الاردن امر مستبعد، خصوصا مع اتهام عشيرة "الكساسبة" للحكومة الاردنية بالتراخي وعدم الجدية في التعامل مع الازمة، اضافة الى بداية الاحتجاجات (من طرف عشيرة الطيار) امام قصر الملك في العاصمة.
ويرى باحثون ان ازمة الرهائن، كانت من المفترض ان تكون صفقة ناجحة للأردن، بسيناريو يتضمن مساعدة المملكة الاردنية للحكومة اليابانية في انقاذ الرهينة الياباني (والتي قد تتضمن ايضا مساعدات يابانية للأردن لقاء جهودها الانسانية في انقاذ الرهينة)، اضافة الى عودة الطيار الاردني سالما الى دياره، الا ان داعش افشل هذا السيناريو، والقادم قد يكشف الكثير من اسرار ما جرى على ضحايا الاروقة الخلفية لكواليس الساسة والمتطرفين من الذين اداروا لعبة السمسرة على رهائن لا ذنب لهم سوى انهم كانوا مجرد ضحايا.
اضف تعليق