يمكن التمييز بين موقفين للشيعة من تركيا، ومن قضايا المنطقة والعالم ومن الأحداث في البلدان العربية، الأول، وجداني إنفعالي مرتبط بالعقيدة الشيعية، ونوع الصراع السائد والخلاف العميق في المبتنيات الفكرية لدى المسلمين الذين توزعوا على مذاهب مختلفة، وهو المألوف في النظرة الى العلاقة بين السنة والشيعة على مدى العصور الماضية، والذي تأطر أكثر بالحراك الديني في العراق، وقيام الثورة الإسلامية في إيران، وبروز القوة الشيعية على المستويين الفكري والعسكري في البحرين والسعودية واليمن وسوريا ولبنان ومصر، وإمتدادات ذلك الى البلدان العربية كافة، وتحوله الى حراك فكري ثقافي في بلدان من أفريقيا وآسيا وأوربا، مع إنتشار الحوزات الدينية والمراكز الثقافية، وماقامت به إيران خلال السنوات الثلاثين الماضية حيث رسخت الكيان الشيعي كوجود مستقل بديناميكية عالية.

الموقف الثاني إستراتيجي يخضع لمعادلات الصراع في المنطقة والعالم، لايشارك فيه عامة الشيعة، وقد يرفضونه ولايفهمونه في الغالب، ولكنه معتمد لدى الدوائر العليا في منظومة القرار الشيعية، واللاعب الأكبر فيه هو طهران التي تكاد تكون عاصمة المنظومة الشيعية في العالم، والتي تتبنى حاليا إتخاذ القرارات ذات الصلة بالمواقف الإستراتيجية.. عامة الشيعة لايفقهون كثيرا في لماذا تدعم طهران حركة حماس والمجموعات السنية الفاعلة في الأراضي المحتلة، ولماذا تدعم حركة الإخوان المسلمين في تركيا الأوردوغانية وفي مصر والخليج وبلاد الشام مع إن الإخوان المسلمين مجموعة أصولية سنية متشددة، وتتخذ في الغالب مواقف حادة من الأوضاع السائدة خلاف مايراه الشيعة الذين ينتقدونها بقسوة، ويعبرون عن خشية من قوتها ووجودها وتأثيرها، ففي حين فرح عامة الشيعة بسقوط الحركة في مصر، وصعود الجنرال السيسي وبما فيهم شيعة مصر، كان موقف طهران مختلفا حيث رمت بثقلها وراء الحركة، وماتزال تدعمها.

في تركيا سارعت طهران لحماية نظام الرئيس رجب طيب أوردوغان، ونشرت قوات عسكرية على الحدود التركية ليلة الإعلان عن الإنقلاب العسكري في إستنبول وأنقرة منتصف تموز 2016 وقد ظهر جليا الموقف الإيراني الرسمي الرافض للإنقلاب والمناقض لموقف مصر والسعودية والإمارات ودول في أوربا كانت قلقة من الدور التركي المضطرب والداعم لحراك لاتريده الرياض والقاهرة وهو الموقف المرتبط بنوع التحالف الإخواني الممتد من إستنبول حتى شمال أفريقيا مرورا بالخليج. وبينما كان الشيعة في العراق وفي دول الخليج ومصر يعبرون عن سعادتهم للأحداث التي كادت أن تودي بحكم الإخوان المسلمين في تركيا، كانت إيران تتصرف، وتتخذ مواقف رسمية تبتعد تماما عن موقف الشارع الشيعي.

إستراتيجيا وهو ماتعيه طهران فإن من مصلحة الشيعة أن تتقوى حركة الإخوان المسلمين الأصولية، وأن يترسخ نظام الإخوان في تركيا وبعض الدول العربية، فالأصولية الدينية تحتمي ببعضها البعض، وتديم حضورها من خلال قوة الآخر الحليف، ولهذا فمن الطبيعي أن يكون موقف الشيعة في العراق متباينا ويتخذ شكلين، الأول. وجداني إنفعالي ليس مهما، والآخر. إستراتيجي مرتبط بالموقف الذي تتخذه إيران سواء من تركيا، أو من الأحداث في بقية البلدان العربية والعالم، وهو ماسيحدد طبيعة الوجود الشيعي الذي يدار عبر الدهاء الإيراني وليس الوجدان الشيعي.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق