نظرا لأهمية معركة الموصل التي انطلقت بشكل جزئي، فان تحرير المدينة يطرح تحديات كبيرة أمام الحكومة العراقية. فمنذ دخول القوات الامريكية العراق عام 2003 الى الان لم تنعم المدينة بالأمن، في عام 2011 تحول تنظيم القاعدة الى تكتيك جديد من خلال تغيير اسمه الى الدولة الاسلامية حيث نشط بشدة ووسع من عملياته في الموصل وقام بجرائم واسعة النطاق وفي 9 حزيران فرض التنظيم هيمنته على الجانب الأيمن من المدينة.
في 19 شباط من عام 2015 كشفت القيادة المركزية الامريكية عن حجم القوات التي ستشارك من أجل استعادة مدينة الموصل العراقية حيث تتكون من خمسة ألوية عسكرية وثلاثة الوية من قوات البيشمركة وبمشاركة الشرطة المحلية في الموصل.
واليوم شاركت الفرقتين التاسعة والسادسة عشر ولواء من الشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب وقوات الحشد الشعبي والحشد العشائري من أجل تحرير قضاء الشرقاط الذي يقع على بُعد (115 كم) جنوب المدينة بواسطة وبالفعل حققت ذلك.
وتتنافس قوى مختلفة من اجل استعادة المدينة فهناك التحالف الدولي والقوات الامنية العراقية وقوات الحشد الشعبي ذات الغالبية الشيعية والحشد العشائري وجماعات مسلحة تابعة لسياسيين من المكونات السنية ترفض مشاركة الحشد الشعبي، يقود هذه الجماعات محافظ نينوى اثيل النجيفي الذي يواجه اتهامات من قبل القضاء العراقي كما انه متهم بالتنسيق مع تركيا والحصول على دعم خارجي.
وعلى الرغم من التحشيد الكبير والنجاحات المتحققة يبقى تنظيم داعش يحكم قبضته في عدة مدن أخرى في العراق وسوريا. وبرغم وجود ستين دولة من اجل القضاء على التنظيم لا يزال ينتشر بقوة، وهنا يبرز سؤال كبير وهو لماذا لم يتم القضاء على التنظيم؟ يمكن تبرير ذلك بوجود حسابات سياسية وفساد وخلافات حول منصب وزير الدفاع بين المكونات السنية.
لكن يمكن استغلال الوقت من اجل دراسة الاخطاء السابقة في معركة الانبار ومن اجل التخطيط الجيد والتنسيق بين الحكومة المركزية وابناء هذه المدن من اجل طرد التنظيم واستعادة الأمن.
وقد مثل التكتيك الناجح للقوات الأمنية العراقية نهجاً جديداً لم يستخدمه من قبل، فقد نجحت القوات الأمنية من إيقاع الهزيمة بالتنظيم، حيث استفادت من تجربتها من قبل في معركة الفلوجة.
كما يمكن ان يحقق نجاح المعركة توافقا من اجل العيش سويا في ظل نظام دولة ديمقراطية اتحادية وان تكون فيها جميع المكونات العراقية متعايشة بدلا عن التفكك والاقتتال فان ذلك التوافق سيجعل التنظيمات الارهابية ان تنسحب ربما دون معارك كبيرة.
ان خيارات نجاح المعركة يجب ادامتها فيما بعد بمراجعة المشاكل السياسية حول التنازل للأكراد بشأن تصدير النفط وكذلك اعتماد الفيدرالية في المناطق السنية والسير قدما في مشروع الاصلاحات الحكومية، ولا يمكن كذلك الغفلة عن دراسة عدة عوامل سبقت المعركة من أهم هذه العوامل:
- العامل الدولي حيث يتميز بتأثيره الكبير فان الامريكيين يسعون الى تعزيز مكانتهم في العراق بشكل أكبر في وجه التحدي الايراني الذي يتصدر الموقف من خلال دعم إيران للعراق في معركته ضد داعش في وقت يقف الامريكيون موقف المتفرج على الاحداث. فضلا عن دول الخليج وتركيا حيث يسعى كل طرف بأن يجد مساحة لنفوذه.
- التنسيق بين واشنطن وبغداد حول موعد انطلاق العملية.
- تركيا بدورها دخلت على خط الزمة حيث صرح اردوغان بأن العراق بحاجة إلى عملية عسكرية مشابهة لعملية درع الفرات التي نفذت من قبل اقوات التركية في مدينة جرابلس السورية وأوضح اردوغان عن ان حل مشكلة الموصل من خلال الإصغاء إلى رؤية تركيا للأحداث في المنطقة ويدعم ذلك بعض قادة الكتل السنية.
- الاستعداد اللوجستي للقوات العراقية وتحرير المناطق المحاذية لمدينة الموصل.
- الجدل المحتدم بين مختلف الجهات المحلية والدولية حول هوية الجهات التي ستساهم في المواجهة حيث تدور خلافات كبيرة حول ذلك والتي من المحتمل ان تواجه الحكومة العراقية اختبار صعب، كذلك السؤال يطرح نفسه حول دور قوات البيشمركة وقوات الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل؟ وما هو دور التحالف الدولي في ذلك؟ وماذا ستؤول اليه الاوضاع بعد مرحلة الهجوم؟ وما هي الخيارات المطروحة في حال عدم انهاء المعركة أو إطالتها؟
- الخلافات السياسية التي تعصف بالبلد حيث يدور جدل كبير حول هوية المدينة ودور العرب السنة في تحريرها وإدارتها فيما بعد.
دراسة العواقب
تضم مدينة الموصل طيفا مختلف الالوان من الأديان والاعراق من التركمان والاشوريون والأكراد اضافة الى المكون السني والاقلية الشيعية، وهناك تخوف كبير من ان تطال الحرب المدنيين حيث يعمل تنظيم داعش على فرض قيود على المدنيين من اجل عدم مغادرتهم المدينة، وهذا يعني ان تحرير الموصل يطرح تحديات كبيرة امام الحكومة العراقية والقوات الأمنية، وبالتالي فإن استعادة المدينة يتطلب دراسة حثيثة في الكيفية التي تتم فيها بأقل الضحايا والتكاليف وبالسرعة الممكنة.
هناك أمل كبير قبل انطلاق عملية تحرير الموصل يتمثل في رفض لوجود داعش من قبل مجاميع قتالية متسترة في الموصل، فضلا عن ان بعض العشائر قد تغلق أبوابها في وجه التنظيم كذلك يمكن ان يشن التحالف الدولي ضربات جوية مدعومة بالسيطرة على نظام الاتصالات وتأمينها بين المواطنين والقوات الأمنية، واتخاذ معسكرات الجيش مقرا للقوات الأمنية لها، فان معسكر الغزلاني ومطار الموصل موقعان مهمان لانطلاق العمليات ضد تنظيم داعش، كذلك يمكن تجنيد المقاتلين الراغبين في الخدمة العسكرية حيث يقدر عدد المواطنين المؤهلين للخدمة العسكرية في الموصل بحسب التقديرات نحو مائة الف مقاتل من الشباب.
الحكومة العراقية من جهتها تمتلك ثقة كبيرة منحتها الولايات المتحدة الامريكية من اجل مساعدة البلاد من الخروج مأزقها ومن اجل الحصول على دعم كافي.
اضف تعليق