صوت مجلس النواب العراقي يوم الخميس الموافق 25/8/2016 على قانون العفو العام بالأغلبية، كذلك استطاع البرلمان العراقي بنفس الجلسة أن يسحب الثقة من وزير الدفاع العراقي "خالد العبيدي" بأغلبية الحضور بعد فشله في جلسة الثلاثاء السابقة 23/8، وبنفس الوقت استطاع المجلس أن يستجوب وزير المالية "هوشيار زيباري" من قبل النائب "هيثم الجبوري"، أي أن مجلس النواب العراقي تمكن من (اقرار قانون العفو العام وإقالة وزير الدفاع واستجواب وزير المالية في جلسة واحدة)، وربما يصح القول في (سلة) واحدة.
وعلى الرغم من نجاح البرلمان العراقي في حسم ملف قانون العفو العام والتصويت عليه، إلا أنه قوبل بردود فعل مختلفة بين مؤيد ورافض. إذ مثل قانون العفو العام ارتياحا كبيرا عند بعض القوى السياسية، لاسيما عند القوى السنية والمكون السني بشكل عام، وكذلك التيار الصدري، واستياء كبير ايضاً لبعض القوى السياسية والطبقات الاجتماعية لاسيما من قبل ضحايا الإرهاب والجريمة المنظمة وحزب الدعوة (جناح المالكي)، وبالرغم من هذا النجاح في تمرير قانون العفو العام، إلا أن هناك كثير من المؤشرات السلبية والمآخذ التي انطبعت على هذا القرار، فالكثيرون عدوا هذا القانون هو صفقة سياسية بين الكتل والأحزاب، لاسيما وأن اغلب هذه الكتل كانت منقسمة في قضية إقالة وزير الدفاع "خالد العبيدي" وقضية استجواب وزير المالية "هوشيار زيباري"، وأن فشل المجلس في جلسة الثلاثاء السابقة يوم23/8، في جمع النصاب ومن ثم فشله في اقالة السيد العبيدي قبل التصويت على قانون العفو العام، هو ما يرجح كفة أصحاب الرأي المشكك في قانون العفو العام (بأن هذا القانون هو صفقة سياسية)، وإلا لماذا يفشل المجلس في إقالة وزير الدفاع قبل أن يقر قانون العفو العام في جلسة وينجح في الجلسة الأخرى بعد اقرار العفو؟.
ولهذا فأن قضيتي إقالة العبيدي واستجواب زيباري وتمرير قانون العفو العام هي ضمن الصفقات السياسية التي اتفق عليها اغلب زعماء القوى السياسية بمصالح متبادلة بأن تمرر وفق العرف السياسي العراقي "بسلة واحدة".
وقد تكون هذه الانقسامات السياسية بين اطراف التحالفات السابقة (التحالفات ذات المكون الواحد)، وعلى سبيل المثال التشظي والانقسام بين اطراف التحالف الشيعي واطراف التحالف السني وكذلك الانقسامات بين التحالفات الكردية، هو بداية لإعادة رسم الخارطة السياسية في العراق والقفز على لغة المكونات والمذاهب وتشكيل ما يسمى بالتحالفات العابرة للطائفية، لاسيما وأن (التيار الصدري والمجلس الإسلامي الأعلى ومتحدون والحزب الديمقراطي الكردستاني) فضلاً عن حزب الدعوة جناح السيد رئيس الوزراء "حيدر العبادي" كانوا متقاربين بشأن قانون العفو العام وضد إقالة وزير الدفاع ومع استجواب وزير المالية، وهذه التحركات قد تنبأ برسم ملامح المرحلة المقبلة، لاسيما مع تحركات بعض زعماء القوى السياسية لإنهاء الخلافات السياسية السابقة مع بعضها، كتلك التي يتحرك باتجاهها السيد المالكي، لاسيما مع الاحزاب الكردية (حزب طالباني وحركة التغيير).
وبالرغم من هذا التحركات والتوافقات المبدئية بين الاحزاب السياسية، إلا أنها لايمكن أن تؤشر على نجاح فعلي في الثقافة السياسية للأحزاب السياسية العراقية؛ لأن كل تحركات هذ الاحزاب مع بعضها تفتقد إلى الرصانة والثقة المتبادلة، وايضاً تفتقد إلى الرؤية المشتركة والمصلحة الوطنية، فضلاً عن أنها أحلاف عابرة من أجل مصالح مؤقتة وليس احلاف قائمة على الرؤى والاستراتيجيات الوطنية الجامعة، وبالتالي لا يمكنها أن تعيد ثقة المواطن العراقي أو أن تعيد انتاج مشروع عراقي وطني شامل بعيد عن مفاهيم العملية السياسية الحالية. وكذلك الحال بالنسبة لجبهة الإصلاح التي تبنت إصلاح السلطة التشريعية لم تخرج عن هذا الإطار والرؤية الضيقة في عملية الإقالة والاستجوابات الوزارية، وتخلت عن إقالة سليم الجبوري لصالح سحب الثقة عن وزير الدفاع، واستجواب رئيس الحكومة.
ولربما يمكن أن يستثمر قانون العفو العام وإقالة وزير الدفاع في عملية الإصلاح الحكومي الذي يسعى إليه رئيس الوزراء "حيدر العبادي" على الرغم من المهنية التي يتمتع بها وزير الدفاع المقال، إلا أنه يمكن لرئيس الوزراء استثمار ذلك في أن يختار اسماء لحقيبتي الداخلية والدفاع من خارج الكتل السياسية وبالتالي يمكن أن يضرب مشروع المحاصصة الحزبية والطائفية وأن يسير باتجاه الإصلاح الحكومي "التكنوقراط"، وأن يوجه رسالة اقتناع لكتلة بدر بأن لايمكن القبول بمرشح لوزارة الداخلية من داخل الكتلة نفسها أو من داخل مجلس النواب في حال اختير شخص لوزارة الدفاع من خارج كتلة "متحدون".
وكذلك يمكن أن تستثمر القوى السياسية والحكومة العراقية قانون العفو العام بقانون مصالحة وطنية وعقد اجتماعي بين السلطة والمجتمع من خلال مكافحة الفساد ومحاكمة المفسدين وتقديمهم للقضاء، وإرجاع النازحين وإعمار المناطق المتضررة والعمل على خدمة الشعب العراقي بعيداً عن لغة المكونات ومفاهيم المحاصصة والصراع السياسي، ومن الممكن أن تستثمره القوى السياسية بتحالفات وطنية عابرة للطائفة والقومية والمذهب، والاتفاق على مشروع وطني جامع وفق معايير المواطنة والوطن، وتنشيط دور المؤسسات الدينية والفكرية والدراسات الانسانية المختصة في محاربة الفكر المتطرف ونبذ الإرهاب وإعادة النظر بدور الانسان في بناء المجتمع والسلطة كتلك التي رسمتها مفاهيم "عصر النهضة" ومكنتها من إعادة النظر بالإنسان ودوره بعد الثورة الصناعية.
اضف تعليق