في العلاقات الدولية لا يمكن التعويل على التصريحات فقط لفهم العلاقات بين الدول ان كانت جيدة او سيئة، فما يظهر لوسائل الاعلام شيء والواقع شيء مختلف، وهذا الوضع ينطبق بشكل اكبر على العلاقات السعودية الامريكية التي تسير نحو محطة الطلاق النهائية وفق ما تؤكده معطيات الواقع وحتى التصريحات الصقورية من قبل كبار المسؤولين من الطرفين.
ارتبطت القيمة الاستراتيجية للسعودية بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية من خلال عدة مرتكزات كانت اهمها مصادر الطاقة المتمثلة بالنفط الذي كان يمثل عصب الحياة الاقتصادية لدول العالم، يضاف الى ذلك دور السعودية في حفظ المصالح السياسية للولايات المتحدة اثناء حقبة الحرب الباردة والتي كان الشرق الاوسط اهم ساحاتها.
النفط فقد الكثير من قيمته الاقتصادية والاستراتيجية بعد اكتشاف النفط الصخري، وفي مجال الحرب الباردة وبالتحديد الصراع الامريكي الروسي ففي هذا الصدد فقدت السعودية ايضا دورها كقوة وازنة يمكن الاستفادة منها في تحقيق التفوق ضد روسيا، لا سيما بعد ظهور لاعبين اقليميين يمكن ان يسحبوا البساط من المملكة العربية السعودية، التي ينخر عظامها التطرف الوهابي.
مجلس النواب الاميركي اقر قانونا الجمعة (10 ايلول 2016) يسمح لضحايا تفجيرات 11 ايلول/سبتمبر 2001 واقاربهم بمقاضاة حكومات اجنبية يشتبه بدعمها اعمالا ارهابية ضد الولايات المتحدة. وتعارض السعودية بشدة مشروع القانون الذي وافق عليه المجلس بعد اربعة اشهر من مصادقة مجلس الشيوخ عليه. وكان 15 من 19 شخصا خطفوا الطائرات التي استخدمت في الاعتداءات من السعوديين.
وسيتم رفع القانون الان الى البيت الابيض لمصادقة الرئيس باراك اوباما عليه قبل ايام من الذكرى ال15 للتفجيرات. وقد اعرب البيت الابيض عن معارضته للقانون لانه يخالف مبدا الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية او الجنائية.
وكان المتحدث باسم البيت الابيض جوش ارنست صرح في ايار/مايو الماضي ان "هذا القانون سيغير القانون الدولي المعتمد منذ فترة طويلة المتعلق بالحصانة. ورئيس الولايات المتحدة لديه مخاوف جدية بان يجعل هذا القانون الولايات المتحدة عرضة لأنظمة قضائية اخرى حول العالم".
ويسمح القانون لعائلات ضحايا اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر رفع قضايا في المحكمة الفدرالية ضد حكومات اجنبية خصوصا السعودية، والمطالبة بالتعويض في حال ثبتت مسؤولية هذه الدول عن الهجمات. وبموجب القانون الحالي لا يمكن لضحايا الارهاب سوى مقاضاة الدول التي تصنفها وزارة الخارجية الاميركية رسميا دول راعية للارهاب. وتتهم السعودية بالضلوع في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ما يعني توتر علاقاتها مع واشنطن.
الاسلحة الامريكية ممنوعة على السعودية
وفي سياق التوتر القائم بين الرياض وواشنطن قدم أربعة أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرار يوم الخميس (8 ايلول 2016) لتعطيل بيع دبابات أبرامز ومعدات عسكرية أمريكية أخرى بقيمة 1.15 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية مشيرين إلى قضايا منها الحرب على اليمن.
وقدم مشروع القرار العضوان الجمهوريان راند بول ومايك لي والديمقراطيان كريس ميرفي وال فرانكن. ولم تظهر على الفور أي بادرة عن خطط لإجراء تصويت لكن هذه الخطوة هي أحدث إشارة إلى معارضة قوية للصفقة بين بعض المشرعين الأمريكيين. وفي أغسطس آب وقع 64 عضوا بمجلس النواب خطابا يحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تأجيل البيع.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أعلنت في التاسع من أغسطس آب أن وزارة الخارجية وافقت على البيع المحتمل لأكثر من 130 دبابة أبرامز و20 مركبة مدرعة ومعدات أخرى للسعودية. وأشار المشرعون عند تقديم مشروع القرار بالحرب ضد اليمن التي تقود فيها السعودية تحالفا يدعم القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي التي تحاول طرد خصومه الحوثيين من العاصمة صنعاء. وانتقدت جماعات حقوقية الضربات الجوية التي يشنها التحالف بسبب سقوط قتلى بين المدنيين.
وقال ميرفي في بيان "آلاف المدنيين يُقتلون وجماعات إرهابية داخل البلد مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية تزداد قوة. ينبغي للولايات المتحدة أن تتوقف عن بيع المزيد من الاسلحة حتى يتغير سلوك السعوديين".
وأظهر تقرير نشرته وكالة رويترز أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عرضت على السعودية أسلحة وغيرها من العتاد العسكري والتدريب بقيمة تزيد عن 115 مليار دولار في أكبر عرض تقدمه أي إدارة أمريكية على مدى 71 عاما من التحالف الأمريكي السعودي.
وذكر التقرير الذي أعده وليام هارتونج من مركز السياسة الدولية ومقره الولايات المتحدة أن العروض قدمت في 42 صفقة منفصلة وأن أغلب العتاد لم يسلم حتى الآن. وقال التقرير إن عروض الأسلحة الأمريكية للسعودية منذ تولي أوباما منصبه في يناير كانون الثاني 2009 شملت كل شيء من الأسلحة الصغيرة والذخيرة إلى الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية والصواريخ جو أرض وسفن الدفاع الصاروخي والسفن الحربية. كما توفر واشنطن أيضا الصيانة والتدريب لقوات الأمن السعودية.
ويستند تقرير المركز إلى بيانات من وكالة التعاون الأمني الدفاعي وهي هيئة تابعة لوزارة الدفاع تقدم أرقاما بشأن عروض مبيعات الأسلحة واتفاقيات المبيعات العسكرية الخارجية. وتصبح معظم العروض -التي يجري إبلاغ الكونجرس بها- اتفاقيات رسمية رغم ان بعضها يجري التخلي عنها أو تعديلها. ولم يكشف التقرير عن عدد العروض المقدمة للسعودية التي جرت الموافقة عليها.
انتهاكات حقوق الانسان
وتعرضت مبيعات الأسلحة من واشنطن للرياض لانتقادات من الجماعات الحقوقية وأبدى بعض أعضاء الكونجرس انزعاجهم من العدد المرتفع للضحايا المدنيين في الحرب في اليمن حيث يقاتل تحالف تقوده السعودية الحوثيين. وأودى الصراع بحياة ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص. وأعلن مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الشهر الماضي أن 3799 مدنيا قتلوا في الصراع وأن الغارات الجوية للتحالف مسؤولة عن نحو 60 في المئة من القتلى.
ويقول التحالف إنه لا يستهدف المدنيين ويتهم الحوثيين بوضع الأهداف العسكرية في مناطق مدنية. وشكل التحالف لجنة للتحقيق في سقوط الضحايا المدنيين. ودفعت الضجة التي أثيرت بشأن هؤلاء الضحايا بعض أعضاء الكونجرس إلى الضغط من أجل وضع قيود على نقل الأسلحة وحذرت وزارة الدفاع (البنتاجون) وسط هذه الضجة المتنامية من أن دعمها للسعودية في حملتها في اليمن ليس "تفويضا مفتوحا".
وكان ائتلاف مراقبة الأسلحة وهو جماعة تدعو إلى فرض قيود أكثر صرامة على مبيعات الأسلحة قال الشهر الماضي إن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تنتهك معاهدة تجارة الأسلحة لعام 2014 والتي تحظر تصدير الأسلحة التقليدية التي تغذي انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب. غير أن إدارة أوباما وافقت الشهر الماضي على حزمة أسلحة محتملة قيمتها 1.15 مليار دولار للسعودية.
وتبذل واشنطن جهودا حثيثة لتثبت للسعودية وغيرها من الحلفاء الخليجيين أنها لا تزال ملتزمة بالدفاع عنهم ضد إيران في أعقاب اتفاق بين طهران والقوى العالمية العام الماضي للحد من البرنامج النووي الإيراني. وتتهم دول الخليج السنية إيران الشيعية بتأجيج عدم الاستقرار في المنطقة وهو ما تنفيه الجمهورية الإسلامية.
لا دعم في اليمن
وفي العشرين من اغسطس اب قال مسؤولون أمريكيون إن الجيش الأمريكي سحب من الرياض مستشارين عسكريين كانوا يشاركون في تنسيق الغارات الجوية التي تقودها السعودية في اليمن وإنه قلص بشكل كبير عدد المستشارين الذين يشاركون في تقديم المشورة للحملة من أماكن أخرى.
وقال اللفتنانت ايان ماكونهي المتحدث باسم سلاح البحرية الأمريكية في البحرين في تصريح لوكالة رويترز إن أقل من خمسة عسكريين أمريكيين يعملون حاليا كامل الوقت في "خلية التخطيط المشترك" التي أنشئت العام الماضي لتنسيق الدعم الأمريكي بما في ذلك إعادة تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو والتبادل المحدود لمعلومات المخابرات. وأوضح المتحدث إن هذا العدد يقل كثيرا عن عدد العسكريين الذي بلغ في ذروته نحو 45 فردا جرى تخصيصهم كامل الوقت في الرياض ومواقع أخرى.
ويبدو أن سحب المستشارين -الذي يقول مسؤولون أمريكيون إنه يأتي بعد هدوء في الغارات الجوية في اليمن مطلع العام الجاري- سيخفض المشاركة اليومية للولايات المتحدة في تقديم المشورة للحملة التي تعرضت لانتقادات لتسببها في سقوط مدنيين.
وقال بيان لوزارة الدفاع الأمريكية(البنتاجون) إن خلية التخطيط المشترك وفقا لما تم تصوره أصلا "أُهملت إلى حد كبير " وأن الدعم الحالي محدود على الرغم من تجدد القتال هذا الصيف. وقال المتحدث باسم البنتاجون آدم ستامب في بيان إن "التعاون الذي نقدمه للسعودية منذ تصاعد القتال من جديد متواضع وليس شيكا على بياض".
وقال المسؤولون -الذين تحدثوا شريطة عدم نشر أسمائهم- إن تقليص عدد المستشارين العسكريين لا يرتبط بالمخاوف الدولية المتزايدة بشأن الضحايا المدنيين في الحرب اليمنية المستعرة منذ 16 شهرا والتي أدت إلى مقتل نحو 6500 شخص نصفهم مدنيون. ولكن البنتاجون اعترف أيضا في بعض من أقوى لهجة له حتى الآن بمخاوف بشأن الصراع الذي دفع اليمن إلى شفا مجاعة وكلف البلاد أضرارا بالبنية التحتية والاقتصاد تتجاوز قيمتها 14 مليار دولار.
وقال ستامب "حتى مع مساعدتنا للسعوديين فيما يتعلق بوحدة أراضيهم فهذا لا يعني أننا سنحجم عن إبداء قلقنا بشأن الحرب في اليمن وكيفية شنها. "خلال مناقشاتنا مع التحالف الذي تقوده السعودية أكدنا ضرورة تقليل عدد الضحايا من المدنيين".
وامتنع اللواء أحمد عسيري المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية عن تأكيد التفاصيل بشأن نقل مستشارين عسكريين أمريكيين لكنه قلل من أهمية مثل تلك الإجراءات. وقال عسيري لرويترز إن العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة استراتيجية وإن الإجراء يتصل بأمر "على المستوى التخطيطي". وأضاف المتحدث السعودي أن الولايات المتحدة ربما تجري تغييرا في المواقع لكن ذلك ليس له تأثير على العلاقة المشتركة بين البلدين.
المواقف المتصلبة للسعودية قد تدفع بها الى نهاية غير سعيدة لتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والمباحثات الامريكية الروسية المتواصلة والمتغيرات الحاصلة في الشرق الاوسط قد تكون القشة التي تكسر ظهر هذا التحالف، فالسعودية لم تفهم تلك المتغيرات وامريكا لا تصبر على حليف لا يفهم حروب القرن الحادي والعشرين.
اضف تعليق