منذ سنين طوال وهم يتطلعون نحو مستقبل مشرق ودولة مستقرة تمتد من شمال العراق الى جنوب تركيا شاملة الجزء الشمالي الشرقي من الاراضي السورية، الاكراد عانوا الكثير ويستحقون ان يكون لهم كيان خاص بهم هذا ما جاء بتصريحات الساسة الاكراد في العراق وتركيا وحتى سوريا، هذه الامنية كانت قابلة للتطبيق على ارض الواقع لربما للسنوات القليلة المنصرمة، لكن اليوم وبفعل الاصرار على هدم اسس الدولة الكردية المزعوم اقامتها لم نرى وعلى الاقل في الامد القريب تحقيق لهذا الطموح الكبير.
مرت ايام قليلة على القصف التركي لعناصر كردية مصحوبا بغطاء جوي امريكي، هذا القصف يقطع الطريق امام الاكراد ووقف اندفاعهم باتجاه غرب نهر الفرات الذي ارادو ان يتخذونه مقرا لاقامة كيان كردي على طول الحدود الجنوبية لتركيا، ومن الملاحظ من قبل الجميع ان هذا التدخل فسح المجال او لربما يعد امر لداعش بنقل عناصره الى مناطق اخرى تكون اكثر امنا متمثلة بمنقطة الرقة، ليفتح الباب امامهم لمواجهة الاكراد وهو هدفهم الرئيسي من وراء هذا التدخل بحسب تصريحات لمسؤولين اتراك.
في الاثناء ذكرت مصادر اخبارية سقوط العديد من القتلى والجرحى نتيجة الضربات التركية، فيما تواصل الاشتباكات في الريف الجنوبي لمدينة جرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي.
ما يحصل على الاراضي السورية من تدخل وبشكل واضاح يعطي انطباعا على محاولة الاتراك السيطرة على قدر اكبر من الاراضي وزيادة مساحات النفوذ التركي في المنطقة، اذا يعده مراقبون تحقيق للاطماع التركية في الشمال السوري وهذا يتجلى في خطوات عدة من بينها السماح للسلاح والعابرين عبر اراضيها.
لا تزال تركيا تعتقد انها قادرة على اعادة هيبة الامبراطورية العثمانية التي كانت لاتغيب بها الشمس، ما يحدث في المنطقة يجعلنا نتنبأ بأن المرحلة المقبلة ستشهد تغيرا واضحا بقواعد الاشتباك لاسيما وان هنالك مباركة نوعما من قبل الجانب الامريكي بأقدام الاتراك على هذه الخطوة، في المقابل نجد ايران تقف الى جانب روسيا المعترضة على هذا التصرف الى حدما، جميع المعطيات تشير الى تصعيد جديد بين الفرقاء الاقليميين والدوليين ما ينعكس بصورة سلبية على الاوضاع في سوريا بشكل مباشر.
في عودة على العلاقات الكردية الامريكية نجدها في حالة غير مطمئنة بعد قيام البيت الابيض بسحب مستشاريه العسكريين من اقليم كردستان العراق امر ينذر بتراجع ملموس في العلاقات بين الجانبين التي توطدت بنسبة كبيرة في الاشهر الماضية الى الحد الذي دفع المسؤوليين الاميركان يدلون بتصريحات بأنهم سوف يتعاملون مع الاكراد وعلى الاقل اكراد العراق على انهم دولة مستقلة بذاتها غير مبالين لاعتراض حكومة بغداد الاتحادية.
ترى مالدافع وراء تغيير الولايات المتحدة الاميركية سياستها في التعامل مع الاكراد الصديق الحميم لفترة ما؟؟، ربما خوفهم من قيام كيان سياسي غير متكامل الملامح وغير معروف الولاء ربما يرمي نفسه بأحضان التحالف الروسي الايراني وهذا ما لا يروق للساسة الاميركان وقد يزيد الطين بلة.
التدخل التركي المتأخر كان وبحسب مسؤولون اتراك يجب ان يوجه الى النظام السوري من اجل اسقاطه لكنه اليوم استخدم لواجهة الاكراد واجهاض مسعاهم في اقامة دولة كردية.
مراقبون لما يجري في المنطقة يرون سعي تركي لاقامة حد فاصل لمواجهة التمدد الكردي ولكن بعد اخذ الضوء الاخضر من الحكومة السورية والجانبين الروسي والايراني بالاضافة الى الدعم من بعض الانظمة العربية لمؤازرتها واسقاط الدولة الكردية المزعم اقامتها.
النظام السوري لم يقف مكتوف الايدي فقد قام بأدانة التدخل في جرابلس معتبره انتهاكا صارخا للسيادة السورية، لكن ثمة من يرى بأن هذه التحرك هو نتيجة لاتفاق سري بين سوريا وتركيا وايران وروسيا للوقوف بوجه الحلم الكردي ومنعه من التحقق.
من المعادلات التي مرت يمكن ان نعتبر الاكراد وحدهم سيدفعون ثمن اصطفافاتهم الى الجانب الأمريكي، الذي خذلهم ولمرات عديدة تتمثل في التنصل عن وعودهم في اقامة الدولة التركية، التدخل العسكري التركي في سوريا يمكن ان يكون الانطلاقة الاولى للتوسع وايقاف نفوذ الكرد، السؤال هنا هل انجرت حكومة اوردغان الى فخ كردي في سوريا الى جانب حربها معهم في الشرق التركي.
علينا ان لاننسى قبل حاولي اربعة اشهر من اللحظة اقدم الجيش التركي على اسقاط الطائرة الروسية امر جعل من روسيا تتحين الفرصة وتعد العدة الى الأخذ بالثأر قريبا ام آجلا وهو ما شعر به الجانب التركي واقتصر بتنفيذ ضرباته للاكراد في سوريا على المدفعية ولم يحرك اي سلاح جوي تحسبا او خشية.
الايام القادمة تحمل لنا المزيد من المفاجئات والتناقضات وعلى مختلف المستويات وما علينا الا ان نبقى نترقب ما ستؤول اليه الاحداث وفق المعطيات الجارية على ارض الواقع لكننا لم نستطيع معرفة القادم بصورة اكثر وضوحا لسبب واحد هو انه الامور لاتزال رمال متحركة لم تقف عند نقطة بعد.
اضف تعليق