تلعب السعودية ادوارا موازية في البلدان العربية بدءا من اليمن الى سوريا ولبنان فالعراق والبحرين، لإعادة ضبط المصنع مع السنة فيها، وخاصة مع الاجنحة السياسية لتحقيق اهداف جيوسياسية في دعم النفوذ الإقليمي والدولي.

تحولات السياسة السعودية في العراق بدأت بالرهان على دعم عدم الاستقرار السياسي فيه بدأ من تشجيع التطرف السياسي وتصعيد الخطاب الاعلامي وصولا الى تدخل لدعم الاعتصامات في غرب العراق، على الاقل هذه الاليات ضمن المستوى الرسمي، ثم قام السعوديون بالتدخل سياسيا عبر تبني سياسة دعم سنة العراق والحديث بالنيابة عنهم وبدأت بالعمل على تنحية الخلافات داخل الطيف السني في العراق جانبًا، مع لم شمل كافة العشائر السنية بكافة أطيافها السياسية، والعمل على ضرورة تغليب المصلحة السنية أمام الأخطار التي تواجههم في العراق من كل جانب، اذ أدَّى الفرز المذهبي إلى نمو وعي هوياتي طائفي بين سُنَّة العراق، وأطلق عملية إعادة ابتكار وتشكيل للهوية السنية، وهي نتيجة حتمية لنظام سياسي يقوم على مركزية الهويات الطائفية ولوضع من الاستقطاب السياسي الإقليمي، الذي يجد تعبيراته الأقوى في الدول الهشة كالعراق.

ولهذا أخذ الكثير من السياسيين السنَّة يتقربون من السعودية ودول الخليج الاخرى ويحصلون على الدعم منها، بشكل كرَّس فكرة أن السعودية تدعم السنة حصرًا، ولهذا تعول السعودية على الأردن للقيام بدور الوساطة بين الفصائل السنية المختلفة لقرب النظام الأردني من قيادات سياسية وعشائرية سنية، وللعمل بغرفة ادارة الصراع في العراق ثم تحول التدخل السعودي في العراق بشكل دبلوماسي رسمي بعد فتح سفارة لها في بغداد وبدأت تدعم وتشجع القيادات والفواعل السنية بشكل مباشر وتتدخل بمسار العملية السياسية، ومسار سير العمليات العسكرية بالانحياز لطرف ضد طرف اخر.

من الناحية السياسية تدعو الان السعودية لعقد مؤتمر برعايتها للقيادات السياسية السنية ومنها من هو مطلوب للقضاء العراقي وتنحى هذه القوى مسارا معاديا للعملية السياسية برمتها، ومن الناحية العسكرية لاتدعم اي عملية عسكرية يشترك بها الحشد الشعبي، بل تنتقده وتضع تصوراتها بهذا الجانب ثم ضمن القنوات الخلفية تتحرك السعودية تجاه الإقليم؛ لدعم ونيل استقلاله عن بغداد كدولة مقابل دعم الكرد لهم بدعم سنة العراق ويبدو هذا العرض من جهة الاقليم كذلك، اذ أن السعوديين سيستفيدون جدا من هذه الخطوة، بحيث تقوض الهيمنة الشيعية في العراق، وتضعف حكومة بغداد خطوة كهذه سوف تكسب السعودية المزيد من الشعبية في اقليم كردستان، وعندئذ ستكون المملكة في وضع أفضل لتحقيق أهداف أكثر طموحاً في دعم منطقة سنية مستقلة في العراق.

لكن هل هنالك احتمالات نجاح مد النفوذ السعودي على سنة العراق ومناطقهم؟

المغامرة بهذا الموضوع قائمة ولايمكن استبعادها، لكنها تحتاج الى نسيج سني متجانس خاصة التشظي الذي يتسم به الوضع السني في العراق لم يسمح بنشوء تكتل سياسي سني قادر على تمثيل المجتمع المحلي، وبنفس الوقت الارتباط بعلاقات دعم وتكافل خارجية راسخة مع السعودية واي طرف اقليمي ودولي، وهذا ماشهدناه في مؤتمر المعارضة في باريس وماسنشهده بمؤتمر الرياض، فهنالك انقسام بين القوى العشائرية والقوى الحزبية من جهة، وانقسام مناطقي ديمغرافي-الاجتماعي في المناطق السنية من جهة اخرى؛ فبينما تميل النخبة السنية في الموصل إلى الاقتراب من تركيا، فإن النخب السنية في الأنبار تميل الى الأردن والسعودية وقطر، ناهيك عن انقسام سياسي يتعلق بالموقف من بغداد، فبينما ما زال هناك بعض الجماعات التي تتبنى مواقف متشددة تجاه النظام السياسي، يصل الى الحديث عن اسقاط العملية السياسية، توجد مواقف تكتيكية تمثل افضلية التواصل مع الاطراف الاخرى في الحكومة (شيعية) بشكل ايجابي، ومواقف غير واضحة تختلط فيها مشاهد المعارضة والمشاركة.

سعودة المناطق والقيادات السنية في العراق مشروع اقليمي يتداخل مع مواجهة الحضور الايراني في المنطقة والعراق، لإعادة التوازن وتثبيت العراق كملف لإستعادة هذا التوازن المفقود مع ايران، مع ذلك فما يبدو مرجحاً أكثر أن السياسة السعودية الإقليمية تغيرت بسبب إبرام الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى؛ وما يعنيه ذلك الاتفاق من فتح الأبواب أمام النفوذ الإيراني في المنطقة، ولهذا اصبح هنالك اختلال في موازين النفوذ والقوى لصالح ايران مما خلق حالة من التوتر السعودي ازاء ايران ومناطق النفوذ.

وتسعى السعودية جاهدة لتحقيق اختراق في اي منطقة نفوذ تحسب لصالح ايران وخاصة العراق بعد خسارة الملف السوري تقريبا ومؤشرات خسارة الحرب على اليمن وعدم حسم ملف الرئاسة في لبنان، هذا التصعيد سيؤدي إلى مزيد من التوتر قد يضع البلديْن والمنطقة أمام خيارات صعبة خارج السيطرة وليس من مصلحة كل الاطراف ان يستمر هذا التنافس بأجواء متوترة، تؤدي دخولهما في مواجهة عسكرية مباشرة، خاصة اذا عجزت السعودية عن تحريك قوى معارِضة داخلية قادرة على تغيير معادلة قوة ومركزية الحكم في بغداد، او لن تنجح بتسويق الكيان السني او الدولة السنية التي تتعاطف معها الولايات الامريكية كذلك، هذا الاحتمال وهو الأكثر سوءاً، وسيكون عبر إجراءات تنفيذية على الأرض. اذ قد تقوم كلٌّ من إيران والسعودية بتدريب مجموعات معارضة وتسليحها وتوفير الدعم اللوجيستي لها، وصولاً إلى التدخل المباشر لتسريع تحقيق انتصاره.

انا استبعِد هذا الاحتمال عندما انظر اليه بتمعن، إلّا أنّه احتمال لا يمكن الجزم باستحالة حدوثه لمجرد أنّه لا يستند إلى قراءة واقعية لمعطيات ميزان القوى. في ظل احتدام والتهاب المشهد الإقليمي، والحرائق المذهبية المتنقلة في طول وعرض المنطقة، لايمكن ان نتصور حلا لاستقرار العراق والمنطقة اذا لم نشهد حوار سعودي - إيراني في اقرب وقت، ولايمكن مناقشة التغير في السياسة السعودية على خلفية انتقال السلطة إلى الملك سلمان مطلع العام 2015، وهو أمر لعب دوراً على الأرجح في تغيير أولويات السياسة الإقليمية السعودية.

لكن لا يبدو الان أن هناك مصلحة موضوعية سعودية وخليجية راهنة بفتح أبواب الحوار السعودي-الإيراني الآن، لأن مخرجات أي حوار ستعكس الأوزان على الأرض وهي لصالح ايران، ولهذا تسعى السعودية لتعديل موازين النفوذ والقوى في الميدان عبر مد النفوذ السني في العراق، وتحقيق اختراق يحسب لها في سوريا يتعلق بمصير بشار الاسد، وايضا اختراقا في اليمن بمفاوضات الكويت وعاصفة الحزم، وملف الرئاسة في لبنان، وتحريك البعد الطائفي في البحرين لصالحها ضد ايران، لتعديل الاختلال في ميزان القوى السعودي مع إيران.

لذلك اعتقد أن المرحلة الراهنة لن تشهد حواراً سعوديا-إيرانياً بسبب العوامل المذكورة أعلاه لصالح ايران في المنطقة والعراق خاصة ولهذا سيبقى العراق معرضا لتكريس النفوذ السعودي في العراق، وخاصة في المناطق السنية عبر ساستها وزعمائها ونخبها وسفارتها، في ضوء المعطيات الجديدة وتحولات المشهد السياسي والعسكري في العراق.

* مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

اضف تعليق