يكثر الحديث في كواليس الساسة ومراكز الدراسات عن العلاقة بين الحكومة والبرلمان، وتطرح الاسئلة عن نوع تلك العلاقة هل هي توازن وتعاون مثلما تفترضه آليات النظام البرلماني ام هي بالعكس من ذلك تماما!!.
والسؤال الذي يطرح نفسه، اذا كان الفصل بين السلطات سمة العلاقة بين السلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان والسلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة في النظام البرلماني وفي اطار من التوازن والتعاون المرن، فلماذا التضارب بينهما ؟ ولماذا اصبح البرلمان العراقي حلبة لتفريغ ازمات الحكومة الحالية بدء من الكابينة الوزارية المغلقة الى استجواب وزير الدفاع؟.
بعيدا عن كل الاسباب الموضوعية التي يطرحها الواقع والمختصون الذين اشبعوا هذا الجانب بحثا وتفصيلا بين من ارجعه الى النظام الثقافي والمجتمعي الذي ما زال يجهل الممارسة الديمقراطية وبين الفساد ونظام المحاصصة وعدم الاستقرار السياسي وغيرها من الدوافع التي لا يمكن تجاهلها مطلقا... فان شخصية رئيس الوزراء السابق والتي طبعت دورتين برلمانيتين وسيطرته على الهيئات المستقلة والتعيين بالوكالة وتروؤسه لأكبر كتلة برلمانية في هذه الدورة الانتخابية، هي احد الاسباب الرئيسية وراء قوة السلطة التنفيذية وضعف البرلمان، ناهيك عن شخصية رئيس البرلمان التي كانت ضعيفة اصلا وعلى الدوام باستثناء فترة محمود المشهداني.. وهذا المنصب ومع الاسف ونتيجة نظام المحاصصة اصبح انعكاس ومرآة لطبيعة الصراع داخل المكون الذي يمثله، بينما يفترض ان تكون الرئاسات شخصيات مستقلة تملأ مناصبها بعيدا عن المكونات التي تمثلها.
عموما وفي معالجة هذا الموضوع الحساس، ينبغي تأشير التالي:
1. ضعف شخصية رئيس البرلمان او كيل الاتهامات اليه بصورة مستمرة او تغييره بين فترة واخرى.. يضعف من هيبة البرلمان.
2. الصراع داخل المكون الذي يمثله رئيس البرلمان، ينعكس سلبا على اداءه.
3. انعزال رئاسة الجمهورية عن الاحداث وتقوقعها بعيدا عن حماية الدستور، يسمح ببروز قوة على حساب اخرى.
4. نشوب الخلاف داخل البرلمان وتحول الصراع بين الكتل الى صراع بين النواب انفسهم ومحاولة تسقيط احدهم الاخر (هذا ما شاهدناه جليا في جلسة استجواب وزير الدفاع)، يهدم جسور الثقة بين اعضائه.
5. تراجع الاداء الفردي البرلماني لصالح اداء وتوجهات الكتل السياسية.
6. غياب المعارضة الوطنية داخل البرلمان تضعف من قدرته على رقابة الاداء التنفيذي.
7. ضعف اللجان البرلمانية ومحاصصة رئاساتها بعيدا عن المهنية.
8. توقف البرلمان لمدة شهرين بسبب تحول النقاش حول تقديم الكابينة الوزارية الى خلاف.. ادى ذلك الى تصدع كبير بين كتله من الصعب محاصرة تداعياتها بفترة قصيرة، خصوصا انشطار البرلمان الى اثنين ورئاسته الى اثنتين.
9. تصدر قضايا البرلمان وخلافاته نشرات وسائل الاعلام ولأشهر كان سلبيا جدا على مستقبل البرلمان والنظام البرلماني في العراق ونظرة المواطن اليه.
إذن، نحن امام مفصل مصيري في تأريخ العراق السياسي المعاصر، طابعه صراع خفي بين السلطات بما يقوض اسس النظام البرلماني ويشوه طبيعته، لذا وكإجراء عاجل ينبغي اتخاذ الخطوات التالية:
• ابعاد جلسات مجلس النواب عن الاعلام.
• غلق منصة المؤتمرات الصحفية بشكل مؤقت لضبط التصريحات المنفلتة التي تصب في خدمة تقوية سلطة على حساب اخرى.
• تفعيل دور اللجان البرلمانية في الرقابة على السلطة التنفيذية، والاستعانة بخبراء متخصصين من خارج البرلمان لتحقيق ذلك الغرض.
وان لم ننتبه الى خطورة الموقف وراء ضعف البرلمان وما يحدثه من اختلال، فإننا قد نقرأ السلام؛ لا سامح الله؛ على النظام البرلماني قريبا او نشهد تحول سريع نحو النظام شبه الرئاسي او المختلط.
ويبقى السؤال: ابحث عن المستفيد؟؟ والمستفيد الوحيد مما يجري هو السلطة التنفيذية التي تسرح وتمرح بلا وزراء ولا ضوابط ولا رقابة نتيجة ضعف البرلمان!!..
إذن لا يوجد صراع بين الحكومة والبرلمان ولا علاقة تضاد وتقاطع، بل اختلال نتيجة ضعف البرلمان استغلته السلطة التنفيذية ابشع استغلال.. وكان المفروض بالحكومة ان تعمل وفق القانون والدستور حتى في حال ضعف البرلمان، ولكن لماذا لم تعمل وفق هذا المنظور سؤال يمكن ان يوجه الى رئيس مجلس الوزراء والى وزراء الكتل الممثلة في مجلس الوزراء؟؟.
اضف تعليق