قد تبدو المواقف متناسقة في العراق بين "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية و"الحكومة العراقية" برئاسة السيد حيدر العبادي، فيما يتعلق بمكافحة خطر تنظيم ما يعرف (الدولة الاسلامية/ داعش) داخل العراق، الا ان التصريحات وما يترشح منها تشير الى خلاف ذلك، ففي حين يتحدث السيد العبادي عن دور "المتطوعين الشيعة" في تغيير المعادلة العسكرية على ارض المعركة ضد داعش، تشيد الحكومة الامريكية بدور قوات حرس الاقليم في كردستان العراق "البشمركة" في تحجيم قوة داعش، اما بخصوص الاراضي التي استردها العراق من تنظيم داعش، والتي تؤكد مصادر حكومية انها مساحات كبيرة، يحاول المسؤولون في وزارة الدفاع الامريكية التقليل من قيمتها ومساحتها، حيث اشار المتحدة باسم "البنتاغون" بان نسبة المساحة التي خسرها داعش امام القوات العراقية لا تمثل سوى 1% من مساحة سيطرته التي تتجاوز 55 الف كيلومتر مربع.
وتتوالى التناقضات بين الطرفين بخصوص ايران، ومدى الدعم والاسناد الذي تقدمة للقوات العراقية، والتي اعتبرها العبادي شريك اساسي للعراق في مكافحة تنظيم داعش وتقديم السلاح والذخيرة من دون المطالبة بالدفع مقدما، فيما ابدت الولايات المتحدة الامريكية تحفظاتها بشان دور ايران في العراق، خصوصا على مستوى دعم "المتطوعين الشيعة" الذين يقاتلون التنظيم المتطرف بالتنسيق مع القوات الامنية وليس ضمن تشكيلاته الرسمية، كما اختلفت الحكومة العراقية والبيت الابيض بشأن الوقت المتوقع لإنهاء خطر وجود داعش في العراق، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة العراقية عن عمليات عسكرية قد تستغرق اشهر معدودة، تتحدث المصادر الامريكية الرسمية عن سنوات طويلة من القتال المتواصل، وربما حاول السيد "العبادي" الوصول الى حل "توافقي" لردم الهوة الواسعة بين هذه التوقعات بالقول "إن مسألة إخراج تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يُعرف بـداعش، من العراق قد يستغرق شهورا ولكن مسألة القضاء نهائيا على التنظيم قد يستغرق وقتا طويلا"، وكانت قضية تحرير الموصل والهالة الكبيرة التي احاطتها، مصدر للخلاف الكلامي، ايضا، بين الطرفين، سيما وان عمليات كبيرة مرتقبة قد تنطلق قريبا وبالتنسيق بين جميع الاطراف (الاكراد، السنة، الشيعة، التحالف الدولي)، وقد تباينت التصريحات بشأن حجم القوات والوقت المتوقع ووقت انطلاق العملية.
وقد دعا السيد "العبادي" التحالف الدولي ليمارس دوره بصورة اكثر فاعلية وجدية في اكثر من مناسبة، كانت اخرها اثناء زيارة رسمية قام بها الى مصر، حيث طالب خلالها التحالف لـ"يكون فاعلاً بشكل أكبر لمواجهة هذا الخطر"، كما انه اشتكى من بطء تسليح الجيش العراقي من قبل الولايات المتحدة وفق العقود المبرمة مع وزارة الدفاع، الامر الذي اخر جهود مكافحة الارهاب في العراق، مع ان الولايات المتحدة الامريكية تعول كثيرا على تماسك التحالف الدولي، الذي دعت اليه في سبتمبر الماضي وانضمت اليه اكثر من 50 دولة غربية وعربية من بينها العراق، سيما وان وجود التحالف لا يقتصر على العراق وانما يتعداه نحو الملف السوري ايضا.
خلاف تكتيكي
ويرى باحثون ان ما يبدو كتناقضات في الاقوال وربما في الافعال، لا يتصل بالبعد الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية في قضية مكافحة تنظيم داعش وغيرة من التنظيمات الجهادية المتطرفة في العراق وسوريا، وانما له علاقة بالموقف التكتيكي للولايات المتحدة والذي يختلف في تعامله عن الحكومة العراقية، وهو امر مهم وحساس، ففي الوقت الذي تعاني فيه الدولة العراقية من خطر تنظيم داعش الذي هدد وجود الدولة ومؤسساتها، وكلف الخزينة العراقية خسائر جسيمة خلال اشهر قليلة، تعرض الاقتصاد العراقي الى نكبة، وصفها رئيس الوزراء العراقي "بالكارثية"، بعد ان هبطت اسعار النفط عالميا الى اكثر من 50% من قيمته السوقية، ما رفع العجز الحكومي الى اكثر من (40) ترليون دولار عراقي، في وقت حرج للغاية، كما ان الضغوط السياسية والشعبية التي تمارس ضد الحكومة التوافقية، بسبب الاوضاع الامنية والاقتصادية والخدمية السيئة، قد تعقد المشهد العراقي، وتنهي حالة التوافق الحاصلة مع الحكومة الحالية، وهو امر قد يدخل العراق في حسابات معقدة لا يحتاج اليها في الوقت الراهن.
بالمقابل، فان تكتيك الولايات المتحدة الامريكية بشأن الوقت والكيفية والطريقة التي قد تنهي فيها خطر تنظيم داعش في العراق اولا وفي سوريا لاحقا، فهو يعتمد على العديد من الخيارات الاساسية والثانوية، كما ان جملة من الملفات العالقة (في حسابات الولايات المتحدة الامريكية) والتي لا يمكن فصلها عن قضية داعش قد تأتي في سياق هذا التكتيك، الامر الذي قد يتطلب من الولايات المتحدة الامريكية تحقيق التوازن بين مصالحها ومصالح العراق، الذي قد يلجأ بدورة الى خيارات اخرى اكثر فاعلية، بحسب ما يرى مراقبين.
اضف تعليق