رغم السنوات الطويلة من الجهود المدنية التي قام بها السود الامريكيون للحصول على حقوقهم الانسانية، ورغم وصول الكثيرين منهم الى مناصب مرموقة في اكثر من جهاز حكومي في امريكا، الا انهم ينظرون الى ما تحقق قليلا حتى الان ولا يمكن ان يلغي من الذاكرة الجمعية لهذه الملايين سنوات العبودية والرق الطويلة التي عانى منها اسلافهم.
كان اكبر انجاز حتى الان يحققه السود في امريكا هو وصول باراك حسين اوباما الى سدة رئاسة اقوى دولة في العالم، رغم هذا لازالت ميشيل أوباما ترى إن "القصة التي أعيشها هي حين أستيقظ كل يوم في بيت شيده العبيد). وأوضحت زوجة أوباما خلال رعايتها حفلا لتخريج طلبة إحدى الجامعات الأمريكية أن "أجدادنا لم يتخيلوا أبدا ما يحدث اليوم نتيجة نظرتهم في السابق، إرثهم هو نفسه إرثكم ولا تدعوا أي شخص يقول لكم أي أمر مخالف لذلك".
وهي في كلامها تشي بتاثرها بوفاة الملاكم الامريكي من اصول زنجية محمد علي كلاي، الذي كانت له الكثير من الجهود والتحركات للحصول على الحقوق المدنية، مستفيدا من مكانته التي حققها كملاكم للوزن الثقيل.
كان هذا الملاكم، رجلا جسد البطولة وثقة النفس، وشاعرا، وسياسيا، وناشطا، وهو ما حول لعبة الملاكمة إلى أكثر الرياضات شعبية عندما كان في أوج بطولته وعظمته. كان ملك حلبة الملاكمة حيث حصل على لقب بطل العالم لثلاث مرات.
في العام 1960 أصبح بطل العالم في الوزن الثقيل. وعندما عاد إلى الولايات المتحدة استقبل استقبال الأبطال في مدينة نيويورك. ولكن الواقع الأليم للفصل العنصري ظهر واضحا عندما عاد إلى ولاية كينتاكي حيث رفض السماح له بدخول مطعم. وفي مذكراته قال إنه رمى ميداليته الذهبية لشعوره بالقرف.
كان كلاي معارضا شرسا للعنصرية التي كانت سمة الولايات المتحدة في الستينيات من القرن الماضي أو معظم مناطقها. و كان ناشطا في حركة "أمة الإسلام" التي كانت تدعو لفصل السود عن البيض. وكانت على تناقض مع الدعوة التي يدعو لها داعية الحقوق المدينة مارتن لوثر كينغ. وغير كلاي اسمه وأصبح محمد علي كلاي. وقال إن كاسيوس كان اسم العبودية.
وفي 1967، وأثناء المباراة العالمية للملاكمة أشار إرني تيرل إلى كلاي باسم الولادة حيث رد علي عليه بخمس عشرة جولة من الضرب، وخلال المباراة كان يصرخ ويقول "ما هو اسمي، يا عم توم" وهو اللقب الذي يطلق على السود الذين تعاونوا مع البيض.
ارتبطت بطولة هذا الملاكم برفضه القتال في فيتنام، والخدمة في صفوف الجيش الأمريكي وقال اثناء محاكمته: "لماذا ينبغي أن نرتدي زيا موحدا ونسافر لعشرة آلاف ميل بعيدا عن بلادنا ونسقط القنابل ونفتح النيران على ذوي البشرة الداكنة في فيتنام في حين يُعامل من يطلقون عليهم (الزنوج) في لويزفيل يُعاملون كالكلاب ويُحرمون من أبسط حقوق الإنسان؟"، وأضاف: "ليس لدي مشكلة مع الفيتناميين، فلم ينعتني أحدهم من قبل بالزنجي".
وقال أيضا: "لن أسافر عشرة آلاف ميل للمساعدة في قتل وحرق أمة فقيرة، وذلك ببساطة لأنني إذا قمت بذلك، فسوف أساعد على استمرار سيطرة سادة العبيد من البيض على أصحاب البشرة الداكنة في العالم".
لم يكن محمد علي كلاي ملاكما عالميا فقط، بل كان حكيما ولديه رؤية وقناعات لاقت إعجاب شعوب العالم على اختلاف توجهاتهم وجنسياتهم. ويرى فيه كثيرون انه اثر على تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما جعل اوباما يقول للامريكان في تأبينه: "لقد صبَّ الانتصار والإصرار الذي حققه محمد علي كلاي في صالحنا جميعا، ولولاه ما عرفنا أميركا التي نراها اليوم".
وكانت وسائل إعلام أميركية ذكرت انتقاد محمد علي كلاي لتصريحات ترامب حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، حيث قال الملاكم الراحل في تصريح نشرته شبكتا "إن بي سي" و"أ بي سي" الأميركيتان: "بوصفي شخصًا لم يتهم أبدًا بالمحاباة السياسية، أعتقد أنه ينبغي لزعمائنا السياسيين أن يستغلوا مواقعهم للحضّ على تفهم الدين الإسلامي، والتوضيح أن هؤلاء القتلة المغرر بهم قد شوّهوا حقيقة الإسلام عند الناس".
أضاف أن تصريحه "موجّه إلى المرشحين الرئاسيين، الذين يطالبون بمنع المسلمين من الهجرة إلى الولايات المتحدة (يقصد دونالد ترامب)، والذين جعلوا الكثيرين ينفرون عن تعلم حقيقة الإسلام". تابع: "أنا مسلم، وليس من الإسلام في شيء قتل الأبرياء في باريس أو سان برناردينو أو أي مكان آخر في العالم".
ومضى يقول: "المسلمون الحقيقيون يعرفون أن العنف الوحشي الذي يمارسه من يطلق عليهم "الجهاديون" يتعارض مع مبادئ ديننا".
كتبت عنه "النيويوركر" كان محمد علي محور الاهتمام في خضم الحديث عن الحقوق المدنية، حرب فيتنام، والقوة السوداء، ففترة تألقه بين عامي 1964 و1980 كانت بمثابة القصة التي لم يكن لأي كتاب أن يستوعبها، نظراً لكثرة ما شهدته تلك الفترة من انتصارات، أزمات، نهايات، نهايات زائفة، تحولات، اعتداءات مضحكة، محاكمات ومشاهد مأساوية.
قال عن إسلامه كما جاء في كتاب عظماء ومفكرون يعتنقون الإسلام للأستاذ محمد طماشي الذي التقاه وتحدث معه: "إن ذلك كان في عام 1964 في ولاية فلوريدا الأميركية وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها أن الله واحد فهزني ذلك وأن النبي محمد هو آخر الأنبياء وأن عيسى عليه السلام هو نبي من أنبياء الله والقرآن هو الوحي الكامل الذي حافظ على ذاته، كل ذلك كان جديداً بالنسبة لي وقد ترك أثراً رائعاً، وبعد إسلامي وجدت السلام الإنساني والحقيقة، وقد تعلمت الصلاة والصوم والصلة بالله وصرت أدعو إلى دين الله والإسلام الحنيف وبفضل الله سبحانه أسلم على يدي أكثر من مليوني أميركي).
وصرح كلاي في إحدى لقاءاته: قريباً سأصبح رجلاً متقدماً في السن ويمكن أن يدركني الموت في أية لحظة، فالله سبحانه وتعالى جعلني أفضل رياضي وأشهر إنسان في العالم وسوف أستخدم هذه الشعبية الكبيرة التي من الله علي بها من أجل نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في كل مكان وكذلك من أجل محاربة الجريمة والدعارة والكحول والمخدرات.
وعن تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف والإسلاموفوبيا صرح كلاي في إحدى المناسبات: "أنا مسلم ولا يوجد شيء يمت للإسلام في قتل أناس أبرياء في باريس أو أي مكان آخر في العالم، المسلمون الحقيقيون يعرفون أن العنف الوحشي لمن يطلق عليهم (المتطرفين الإسلاميين) يتعارض مع صميم مبادئ ديننا".
اضف تعليق