الحاج كامل، رجل يبلغ الخمسون، كان عمره حافلا "بالسعادة"، فمن ضياع شبابه بحرب الثمانينات وحصار التسعينات، ثم ضياع ما تبقى بدولة الديمقراطية الجديدة، فكان دوما يشعر بالامتنان لساسة العراق السابقون واللاحقون، لأنهم اتفقوا على جعله سعيدا، حيث جعلوا منه رجالا قويا، وهو يصمد أمام هول الأحداث، ممن اوجد بداخل قلب الحاج كامل كمية كبيرة من السعادة، وعلى الحاج أن يكيل الساسة نوادر كلمات المديح يوميا.

الحاج كامل لا ينام إلا ويقرأ، سطور من أدعية جلب المراد وتحقيق السعادة، ويعدد طلباته بتضرع كبير:

- الهي ارزقنا العافية، وشافي زوجتي المريضة بالسرطان، وارزقنا ما نحفظ به كرامتنا، وحنن الحكومة علينا، بان تعطينا ماء الشرب والكهرباء، وابعد عنا اللصوص، وارحمنا برحمتك.

السعادة حلم كبير يشغل كل تفكيره، البعض ينعته بالحالم، وآخرون ينعتوه بالمجنون، فأي سعادة يمكن أن يجد في العراق! أذا لم تختلط بالسرقة والدم، ومن دون الحرام، فلن تجد للسعادة مكان، هكذا هو طريق المرور للسعادة، لذلك بقي كامل يبحث عن السعادة، لأنه يخاف الله، فلا يقرب طريق السرقة والدم.

منذ أسبوع والماء منقطع عن بيته، ففي الصيف تبدأ قصة غريبة للسعادة، تحدث فقط للفقراء في بغداد، حيث على الحاج كامل يوميا الشروع برحلة طويلة وشاقة، لحمل "جلكان" الماء من الحي المجاور، حيث تتوفر المياه هناك، ثم عليه شراء ماء الشرب " الارو" لغرض الشرب والطبخ، وعليه مع كل هذا الألم أن يشكر الله عز وجل على الساسة الأشاوس، تلك النخبة الحاكمة التي أعطتنا سعادة نادرة، وهي سعادة البحث عن ماء الشرب، فما أن يملى "برميل" كامل الخاص للماء، حتى يسجد لله شكرا، ويطلب من الله والدموع تنزل من عينيه، أن يسعد ساستنا سعادة اكبر من سعادته بآلاف الأضعاف.

في ساعات الظهيرة الحارة، انقطعت الكهرباء فالحكومات الديمقراطية المتعاقبة، فشلت في اصلاح منظومة الكهرباء، مع أن عشرات المليارات الدولارات صرفت، وبسبب فسادهم تم الهدر أموال العراق، وعلى أمثال الحاج كامل أن يصمتوا، ولا يلعنوا الساسة حتى في سرهم، ولا يفكروا أبدا بأي شتيمة للساسة، بل أن يستشعر سعادة تحمل حر الظهيرة، في مقابل ما يتنعم به الساسة من كهرباء لا تنقطع، فهذا حق الساسة، أن يتنعموا بالأموال وخيرات البلد، فهم أسياد البلد، إما المواطن فإلى الجحيم.

جاء خالد الولد الأكبر للحاج كامل، يطلب منه توفير قسط الكلية، احزن الطلب الحاج كامل المسكين، فمن أين يأتي بالقسط، والساسة الجدد جعلوه يعيش على "الحديدة"، بفعل السياسة الاقتصادية الغبية التي التزموا بها، والتي أسهمت في جعل البلد على حافة الإفلاس، فطلب من ابنه أن يترك الدراسة الجامعية، إلى أن يحين فرج ما، حزن الابن خالد كثيرا، لكن لا خيار أمامه إلا قبول قرار والده، نظر الحاج كامل إلى السماء طويلا، ليسطر دعاء طويل بحق كل ساسة العراق، فردا فردا، أنها السعادة النادرة، التي أوجدها لنا الكتل الحاكمة.

في ليل الحاج كامل عليه أن يحرس البيت، فلا توجد شرطة في الليل، والمنطقة تشهد عصابات سرقة وخطف، الحكومة تخلت عن دورها في توفير الأمان والنظام للبسطاء والفقراء، أنه احد منجزات العهد الديمقراطي، فيجلس الحاج كامل فوق السطح، وبيده بندقيته وبقربه أبريق الشاي، يبقى فوق السطح إلى أن يعلن الفجر عن صلاة الصبح، فينزل مبتهجا سعيدا، لأنه أزال الخطر عن عائلته ليلة أخرى.

أنها أبواب متعددة "للسعادة"، والتي يوفرها الساسة لنا، عسى أن يعطي الله كل ساستنا، مثل سعادتنا بل أضعاف مضاعفة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق