في خطوة لا تخلو من ارتباطها بالمشروع الصهيوني الإحلالي في فلسطين، وسعياً لتحقيق الحلم بـ "يهودية الدولة"، لم يتردد رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي من إستغلال ما حدث لصحيفة شارلي إيبدو والمركز التجاري في باريس مطلع الشهر الجاري، ليدعو يهود فرنسا للهجرة والعيش في فلسطين المحتلة، وليدعو على التوازي وزير إسكان الإحتلال إلى توسيع المستوطنات لاستيعاب "تيار المهاجرين"، معتبراً حسب قوله بأن يهود فرنسا "صهاينة حقيقيون"، وما مشاركة نتنياهو في صدارة مسيرة التضامن مع الشعب الفرنسي إلا محاولة لطمأنة من يرغب بالهجرة، ولنفس السبب مارس الأخير ووزير خارجيته ضغوطاً هائلة على عائلات القتلى اليهود الأربعة لدفنهم في فلسطين على الرغم من أنهم لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.
لتحقيق ما يصبو إليه الإحتلال، بدأت الماكينة الإعلامية ببث الإشاعات والمخاوف من بقاء اليهود في فرنسا ومن أن "اليهود الليبراليون في فرنسا يعترفون بأن الخوف على إرسال أبنائهم إلى المدارس الحكومية يسيطر على حياتهم"، مع العلم بأن هذا النوع من الدعوات والتصريحات تسيئ إلى دول الإتحاد الأوروبي عموماً، وإلى فرنسا على وجه الخصوص ولأسس الديموقراطية فيها.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إستغلال أحداث عالمية لدعوة اليهود في العالم للهجرة والعيش في فلسطين، فقد سبقها استغلال إنهيار الإتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي ودعوة اليهود الروس للهجرة..، وكذلك الأوضاع الاقتصادية وحالات الفقر في أثيوبيا وغيرها.. وهذا يدل على حجم المأزق الديموغرافي والتخبط السياسي الذي يعيش فيه الكيان لتحقيق رؤيته المستقبلية بتكريس أن "إسرائيل" هي الأرض الوحيدة الآمنة في العالم لليهود، فمعظم مستوطنات الضفة الغربية المحتلة فارغة من السكان، ونسبة مَن يريد مِن الإسرائيليين التخلي عن جنسيته الإسرائيلية في تصاعد مستمر والهجرة المعاكسة في ازدياد على الرغم من حجم المغريات والدعوات للهجرة.
تناقلت الصحافة الصهيونية ارتفاع نسبة الذين تقدموا بطلبات للتخلي عن جنسيتهم الإسرائيلية عام 2014 بمعدل لا يقل عن 65% وذلك بالمقارنة بالمؤشرات التي تم تسجيلها عام 2013، ويعتبر هذا تطوراً ملحوظاً في سياق الهجرة المعاكسة؛ فقد أشارت مراكز دراسات وأبحاث صهيونية بأن معدل الهجرة اليهودية المعاكسة بين عامي 2000 و 2010 وصلت إلى عشرين ألف مهاجر سنوياً بسبب "الوضع الأمني غير المستقر وانعدام الثقة بالسلطة الإسرائيلية الحاكمة والنظام الإقتصادي المنهار"، وتقارير صهيونية في نيسان 2007 أشارت بأن "حوالي ربع الإسرائيليين يدرسون إمكانية الهجرة ونحو نصف الشباب يفكرون في الهجرة"، وكشفت القناة العبرية الثانية مساء الخميس 8/1/2015 عن وصول عدد الراغبين في الهجرة من دولة الإحتلال إلى العاصمة الألمانية برلين وحدها إلى تسعة آلاف وذلك وفقاً لمنظمة حملة "النزول الى برلين" من بينهم ضابط في جيش الإحتلال، وبأن أحد المنظمين قد طالب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالموافقة على منحه 25 ألف تأشيرة عمل لإسرائيليين سئموا ضيق العيش في إسرائيل"، مضيفاً بانه "يطمح في امتداد حملة الهجرة إلى برلين، إلى مدن أخرى في العالم من بينها واشنطن ونيويورك ولندن وميامي ولوس انجلوس وبراغ وكوستاريكا وروما".
المعركة الديموغرافية مع الكيان ليست بالحديثة فقد بدأت منذ قبل وبعد قيام دولة الكيان في العام 1948، ولم تفلح محاولات تكريس الرواية الصهيونية بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب استحقها شعب بلا أرض، ولم يفلح بلفور حين وعد أن يعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وفشلت "الوكالة اليهودية للهجرة" بزيادة عدد اليهود الصهاينة في فلسطين من خلال التشجيع على زيادة النسل وتغطية النفقات والإحتياجات أو محاولات استجلاب اليهود من مختلف دول العالم وإطلاق الوعود وسياسة الإغراء بالعمل والأمن والإستقرار.
بعد حوالي 67 سنة هي عمر النكبة لا يزال 88% من اللاجئين موجودين في فلسطين والدول المحيطة بفلسطين (48% في فلسطين الإنتدابية و40% في الدول المحيطة)، أما دعوات الإحتلال لهجرة يهود فرنسا إلى فلسطين المحتلة، ستبوء بالفشل كما فشلت سابقاتها من الدعوات. نعم لن يتوقف الإحتلال باستجداء مطالبة اليهود بالهجرة، وبالمقابل لن يجد أي مهاجر الإستقرار او الأمان، ففلسطين لا تزال محتلة ولن يهدأ بال لأصحابها الأصليين إلا باسترجاعها وعودتهم إليها وطرد الصهاينة المحتلين.. طال الزمان أم قَصُر..
اضف تعليق