عندما يبحّ صوتُ العقلِ والحكمةِ والحبُّ المسؤول، صوت المرجع الاعلى، وعندما لا تُعير الدّولة ايّ اعتبارٍ لأكثر من (٢٠٠٠) تظاهرة شعبيّة كلّها تطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد، وعندما يرحّل ويؤجّل ويسوّف السياسيّون كلّ مشاريع الاصلاح الحقيقي، بانتظار المعجزة، وعندما ينصبّ كلّ اهتمامهم على البحث عن طرق (دستوريّة) للالتفاف على مطالب الشّارع، وعندما لم يقدَّم لحدّ الان (عِجْلٌ سمينٌ) واحِدٌ على الأقل للقضاء ليقف خلف القُضبان، وعندما يتغاضى الجميع عن قرارات هيئة النّزاهة التي كشفت لحدّ الان عن اسماء عدد من كبار المسؤولين وقدَّمت ملفّاتهم للقضاء بتهمة الكسب غير المشروع، وعندما يتشبّث الزّعماء بأَبراجهم العاجيّة ويرفضون النّزول الى الشّارع ليتلمّسوا بأنفسهِم مشاعر الغضب والسّخط الى حدّ اليأس التي تُسيطر على العراقيّين سنين عديدة، وعندما تتضخّم أموال السّاسة وابناءهم وأحفادهم وأُسرَهم وتتغوّل سطوتهم وسيطرتهم واستحواذهم على كلّ شَيْءٍ بما فيه املاك الدّولة، وعندما يسخّرون الدّستور لحماية ذواتهم فقط فيصنعون بسياساتهم الفاشلة طبقية اجتماعية مُرعبة ومُخيفة، وعندما ينشغِلون بالصّراع على السّلطة لتوريثها ابناءهم وأبناء احفادهم، وعندما يوظّفون المقدّسات بكلّ اشكالِها وألوانِها لشرعنة فسادهم العظيم، وعندما يصنَعون لأنفسهِم دولٌ داخل الدّولة، ومواثيق يعنونونها بالشّرف الى جانب ميثاق الدّولة وشرفها وهيبتها وسيادتها، فليس من الغريبِ والمفاجيء ابداً ان تصل الامور الى حالة الفوضى (الدّستورية) التي نشهدها اليوم وتحديداً تحت قُبة البرلمان، فاذا بأهمّ وأخطر مؤسّسة في الدّولة العراقية الجديدة، مجلس النوّاب، يمرّ بأخطر فوضى تهدّد البلد في أخطر مرحلة من مراحل تاريخهِ وفي ظلّ أخطر حرب يواجهها العراقيّون ضدّ أقذر عصابات إرهابيّة مدعومة باموال البترودولار وبفتاوى التّكفير والحقد والكراهية والغاء الآخر.
ان هذا الحصاد (السّياسي) هو نتاجٌ طبيعيٌّ لذاك البذر الفاسد الذي ظلّ يرعاه السياسيّون طوال السّنين المنصرمة من أجل المزيد من المكاسب الحزبيّة الضيّقة غير الشَّرْعِيَّةِ والتي تقلّصت بمرور الأيام لتنحصر في المكاسب العائليّة والأسريّة ولا استثني أحداً من الاحزاب والكُتل النيابيّة ابداً، فالتدقيق بهويّة الخارطة السّياسية الجديدة يشرح لك تفاصيل العوائل والأُسر التي باتت تتحكّم بمفاصل الدّولة وهيبتها ومصيرها!.
ليس غريباً ابداً ولا مفاجئاً بالمطلق ان تصل الفوضى الى حدّ اختلاط الامور الى هذه الدّرجة فيضيع اللص في زحام المارّة والفاسد في زحام الجمهور والفاشل في زحام القاعة، اذا باللصّ والفاسد والفاشل يتصدّرون مشهد الاصلاح والحرب على الفساد.
ولكن؛ هل ستنطلي الاعيبَهم على الشّارع؟ هل سيمرّرون أسماءهم ويسوّقون انفسهم مرّةً أُخرى لدى الرّاي العام بعد قليلٍ من المكياج يضعونهُ على وجوههم الكالحة وترشيقٍ وغير ذلك؟ بالتأكيد لا، فهذه الوجوه المحروقة التي لم تجلب الخير للعراق، على حدّ وصف الخطاب المرجعي، لا يمكن ان تخدع العراقييّن مرّةً أُخرى، لانّهم ليسوا بسطاء وسذّج الى هذه الدّرجة التي تخدعهم مسبحة ابْنُ اوى، او ذقنُ عنزٍ او محبسُ ذئب، كما انّ ذاكرتهم ليست ضعيفة الى هذه الدّرجة لينسَوا بهذه السّرعة اسماء وصور الفاسدين الذين أوصلوا البلد الى هذا المنحدر الخطير!.
لا أعمّم، بلا شك، فَلَو خُليَت لقُلبت، كما يقول المثل، ولكن عندما يخفت صوت المصلح الحقيقي صاحب المشروع الوطني ويعلو صُراخ وتهريج صوت المصلحين المزيّفين الوصولييّن الذين يركبون الموجة كلّما وصل الطّوفان الى ذقنِهم، أولئك الذين يمتلكون القدرة العجيبة والغريبة والنّادرة على التلوّن وتغيير مواقعهم واصطفافاتهم وولاءاتهم، فلا يُمكن عندها الاطمئنان الى الاصلاح ابداً، فالنّوايا الحسنة وحدها لا تكفي للدخول الى الجنّة!.
برأيي، فانّ هذه الطبقة من السياسيّين لا يمكنها ان تفعل شيئاً من اجل البلد، ومن الخطأ ان ننتظر منها خيراً ابداً، ولعلّ اكثر ما يمكن ان تفعلهُ للصالح العام هو ان لا تقود العراق الى مهاوي جديدة أكثر خطورة، وتقرر تسليم البلد الى طبقةٍ جديدةٍ من السياسيّين يفرزهم صندوق الاقتراع في اوّل انتخابات نيابيّة جديدة شريطة ان تصمّم صادقة على تغيير قانون الانتخابات لتفسح المجال للجيل الجديد وتفتح أبواب التغيير على مصراعَيها، وهي الحسنة الوحيدة التي ستفعلها هذه الطبقة الفاسدة والتي قد تشفع لهم اذا كتب التاريخ سيرتهم!.
لن انتظر حلاً جذريّاً من هذه الطبقة السّياسية الفاسدة والفاشلة ابداً، ولكنني انتظر حلاً آنيّاً لابدّ مِنْهُ من أَجل ان نقف أمام الانهيار المرتقب اذا تمادت هذه الطّبقة في غيّها وقرّرت ان تسير بالبلد الى النهاية، فعندها سنحتاجُ الى فتوىً جديدة للجهاد الكفائي!.
امّا الحلّ الآني؛
الف؛ ان تستمرّ الحكومة الحاليّة بعملِها اذ يبدو انّ تمرير كابينة (الظّرف المختوم) بات من مخلّفات الماضي، وانّ اي تغيير ترقيعي في الكابينة قد يكون ضررهُ اكبر من نفعهِ، وانّ ضرر بقاء الكابينة الحاليّة ليس اكثر من ضرر اي تغيير وزاري لازال حزبياً وسياسيّاً.
باء؛ يعود مجلس النوّاب كما هو الى سابق عهدهِ بكلّ تفاصيلهِ، بعد ان فشلت كل الاطراف في تحقيق النّصاب القانوني لأيِّ تغييرٍ، لحدّ الان على الأقل، فليس من الصّالح ابداً ان نتجاوز الأُطر الدستوريّة والقانونيّة في التغيير والتبديل والإقالة، كما انّه ليس من المقبول ابداً ان يعملَ احدٌ على ادخال البلد في فراغٍ دستوري او حتّى فوضى دستوريّة كما هو عليه الحال الآن.
يعود البرلمان الى وضعهِ الطبيعي شريطة ان يكرّس جهدهُ فقط وفقط لإصلاح القوانين التالية او تمريرها وتشريعها؛
١/ قانون الانتخابات.
٢/ قانون الاحزاب.
٣/ قانون المفوضيّة العليا المستقلّة للانتخابات.
٤/ قانون الإحصاء السكاني العام.
٥/ قانون المحكمة الاتحادية بما يفسح المجال لإصلاح القضاء.
جيم؛ الدّعوة لانتخابات نيابيّة مبكّرة حال الانتهاء من تحرير آخر شبرٍ من ارض العراق الطّاهرة من يد الارهابيّين.
دال؛ التوجّه الان وصبّ كل الجهود في الحرب على الارهاب للإسراع في تحقيق البند (جيم) فلا ينبغي ان يعلوَ صوتٌ فوق صوت الجهاد والقتال ضدّ الارهاب، لتطهير العراق مِنْهُ وإعادة بناء المدن التي دمّرها الارهابيّون والإسراع في اعادة النّازحين والمهجّرين الى مناطق سُكناهم.
والا فالبلد يسيرُ نحو الهاوية ولن يسلم احدٌ من ذلك، فنتيجة الفشل يتضوّر منها الحاكم والمحكوم، كلٌّ بدرجةٍ، والعاقبةُ للمتّقين.
اضف تعليق