قراران هامان بخصوص الأزمة السورية، صدرا عن واشنطن مؤخراً...الأول؛ ويقضي باستئناف برنامج تدريب “المعارضة المعتدلة”، باعتماد “طبعة مزيدة ومنقحة” عن البرنامج القديم الذي مُني بفشل ذريع ومتكرر.... والثاني؛ ويقضي بنشر قوات خاصة أمريكية “وازنة” لتعزيز قدرات حلفاء واشنطن من كرد و”معتدلين عرب” في محاربة “داعش”.

اللافت أن الإعلان عن القرارين جاء غداة الاختراق الذي حققه التحالف الروسي – السوري على جبهة تدمر، وعشية الاختراق الثاني على محور “القريتين”، ووسط أنباء عن نوايا وخطط جدية لدى موسكو ودمشق، لفتح معركة دير الزور وصولاً للرقة، حيث تشير كافة التقارير إلى ارتفاع ملحوظ في معنويات قوات النظام وحلفائه من جهة، مقابل انهيار في معنويات وصفوف قوات “داعش” على الطرف الآخر.

في مغزى التوقيت، ولماذا الآن، وليس قبل ستة أشهر أو عام على سبيل المثال، يبدو أن واشنطن بدأت تتلمس جدية موسكو ودمشق وحلفائهما في مطاردة “داعش” إلى آخر موقع على الحدود السورية مع كل من العراق وتركيا... إن حصل ذلك، سيكون النظام قد عزز مواقعه استراتيجياً، وجمع من “أوراق القوة” ما يكفي لتفريغ مسار جنيف من مضمونه، وتحويل العملية السياسية الانتقالية برمتها، إلى مجرد “تعديل وزاري” يُحدثه من جانب واحد، على حكومة الدكتور وائل الحلقي.

واشنطن بقراريها المذكورين، تريد أن يكون لها ولحلفائها، مكانة على الأرض وفي الميدان، لكي يصبح لها قولاً مؤثراً على مائدة المفاوضات حول المرحلة الانتقالية، ومقرراً حين يتصل الأمر بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد ودوره في مستقبل سوريا... إن ظل الوجود الأمريكي في سوريا محلقاً على ارتفاعات شاهقة، فلن يكون بمقدور واشنطن التأثير في حركة الميدان، ولا في تقرير وجهة المفاوضات والتحكم بنتائجها. قيل عن القرارين أنهما يأتيان من باب طمأنة الحلفاء والأصدقاء في سوريا والإقليم، وهذا صحيح نسبياً، وإن كان لا يختصر المسألة برمتها... القراران الأمريكيان، يندرجان في سياق إعادة ترميم ميزان القوى الذي مالت كفته على نحو واضح، لصالح النظام وحلفائه، منذ الثلاثين من سبتمبر/أيلول الفائت، وبالأخص منذ الاختراقات على جبهات تدمر والقريتين وغيرهما.

هل ستنجح واشنطن في مسعاها هذا، أم أنها ستعيد انتاج الفشل ذاته، وربما للمرة الرابعة أو الخامسة؟... حتى الآن، لم يُثبِت أي من برامج “تدريب المعارضة المعتدلة” نجاعةً في خلق “تيار ثالث”، في الحالات السابقة، ترك المقاتلون المعتدلون خنادق القتال قبل إطلاق أول رصاصة، بعضم انضم للنصرة في طريق عودته إلى “الأراضي المحررة” وبعضهم الآخر توزع على القبائل السورية المسلحة... أكثر من 80 بالمائة من الأسلحة الأمريكية المتطورة التي زوّد بها “المعتدلون” بما فيها صواريخ “تاو” المضادة للدروع، وصلت إلى أيدي “جبهة النصرة”، وهي تستخدم الآن بنجاحة في حرب النصرة على الجيش السوري وحروبها على الفصائل الأخرى.

ما الجديد الذي تراهن عليه واشنطن للقول بأن برنامجها لتدريب المعارضة هذه المرة، سيكون مختلفاً عمّا سبقه؟... لا أحد يدري... وكم من الوقت سيستغرق تدريب هؤلاء، وكيف سيتم اختيارهم ومن أين؟... أسئلة لم نعرف بعد، كيف سيجيب البنتاغون أو “السي آي إيه” على أي منها... لكننا ونحن الذين لم نُبد “تفاؤلاً” بالبرامج القديمة، لا نمتلك ما يدفعنا للاعتقاد بأن البرنامج الجديد، سيكون مختلفاً.

خلاصة أخرى يمكن اشتقاقها من القرارين المذكورين، مفادها أن واشنطن لم تستجب، وربما ليست بوارد الاستجابة مستقبلاً، لاقتراح موسكو تنسيق الجهد الميداني الروسي الأمريكي، واستتباعاً السوري (الجيش ووحدات الحماية الشعبية الكردية) من أجل معركة الرقة... واشنطن تدرك أنها ستكون الطرف الأضعف في هذه المعادلة، ما لم تتوفر على قوات برية على الأرض، وهي قبل أن تناقش هذا الاقتراح مع الكرملين، تريد التأكد أنها لن توفر “غطاء جوياً” يكون بمثابة “غطاء سياسي” لإعادة “تعويم” نظام الرئيس بشار الأسد. هل ستنجح واشنطن هذه المرة؟... وهل تمتلك من الوقت ما يكفي لإحداث تغيير جدي في توازنات القوى على الأرض؟... هل تكسب موسكو ودمشق السباق نحو دير الزور والرقة، قبل أن تستفيق واشنطن من غفلتها؟... أسئلة برسم الأيام والتطورات القادمة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق