q

على الرغم من أن سير الاتفاق النووي مازال "متعثرا" بين إيران والولايات المتحدة الامريكية (اضافة الى القوى الخمس الاخرى)، إلا ان اللهجة التصالحية بين البلدين، ما زالت تسير بوتيرة تصاعدية، وربما غير مسبوقة (على الأقل في العلن)، منذ القطيعة الرسمية عام 1979، والتي ارتفعت حدتها أثر الخلاف النووي قبل 12 عاما، بعد ان وصلت حد التهديد بضربات مباشرة لمنشآتها النووية المحتملة، قبل ان تتحول المحادثات النووية السرية (التي عقد في عمان) سببا لمحاولة التقارب بين الولايات المتحدة الامريكية والاصلاحيين في إيران.

وقد شكل تغير التكتيك الأمريكي الجديد تجاه إيران مفاجأة لدى الكثيرين، خصوصا لدى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الامريكية، وواجه التقارب الأمريكي- الإيراني الذي اتخذ وجها نوويا، في بداية الامر، الكثير من المعارضين، وبالأخص إسرائيل التي استعدت للقيام بعمل عسكري منفرد كرد فعل غاضب على تحركات الرئيس الأمريكي "أوباما" الجديدة، والذي اتهمته بالضعف والتردد تجاه الإيرانيين، (ورد نائب الرئيس الأمريكي بايدن بان الخلاف تكتيكي وليس استراتيجي بين إسرائيل وامريكا بالقول "بوصفنا اصدقاء، من واجبنا ان نتحادث بصدق، ان نتحدث عن الخلافات التكتيكية بيننا وليس ان نتجنبها")، الامر الذي ضاعف من توتر العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل على اعلى المستويات، وعلى هذا النهج، اتسمت علاقة السعودية بالولايات المتحدة الامريكية بالتوتر أيضا، (قبل ان يلتقي أوباما بالملك السعودي "عبد الله" في اذار من العام الماضي)، من دون ان يكون لذلك أي تأثير على قرار البيت الأبيض، فيما يبدو، بالسير في طريق كسب ايران الى صالح الولايات المتحدة الامريكية كشريك (ثانوي) مهم في منطقة الشرق الأوسط، لكن بطريقة لا يمكن تمريرها من دون شروط محددة، ربما يكون أهمها ان يكون التعامل مع الإصلاحيين دون المحافظين (الذين لا يستسيغون الولايات المتحدة وقد شكلوا عقيدتهم وعقيدة انصارهم على هذا الامر).

وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إن إيران يمكن أن تصبح "قوة إقليمية ناجحة للغاية" إذا وافقت طهران على اتفاق طويل الأمد لكبح برنامجها النووي، وتابع "أمامها فرصة للتصالح مع العالم"، وقال إن إيران يجب أن تنتهز فرصة التوصل لاتفاق يمكن أن يرفع العقوبات التي تصيب اقتصادها بالشلل، مضيفا "لأنها إذا فعلت ذلك فسيكون هناك مواهب وموارد وتطور داخل إيران وستصبح قوة إقليمية ناجحة للغاية تلتزم أيضا بالمعايير والقواعد الدولية وسيكون هذا من مصلحة الجميع"، وردا على سؤال حول احتمال فتح سفارة في طهران خلال السنتين المتبقيتين من ولايته الرئاسية قال اوباما "انا لا اقول ابدا ابدا، الا انني اعتقد ان هذه الامور لا بد ان تتم على مراحل"، وتابع "في كوبا كنا نقوم بالشيء نفسه طيلة خمسين عاما من دون ان يحصل اي تغيير، والمسألة كانت في معرفة ما اذا كان من المناسب تجربة شيء جديد مع بلد صغير نسبيا لا يشكل تهديدا كبيرا علينا ولا على حلفائنا"، اما بالنسبة الى طهران فاعتبر ان ايران "بلد كبير متطور يرد اسمه منذ زمن طويل على لائحة الدول التي تدعم الارهاب، ونعلم بأنه كان يحاول تطوير سلاح نووي او على الاقل المكونات اللازمة لذلك"، واعتبر ان الشرط الرئيسي لأي انفتاح على طهران يبقى التوصل الى اتفاق نووي معها، وقال "في حال وصلنا الى هذه المرحلة الاولى آمل بان يشكل ذلك اساسا لتحسين العلاقات مع الوقت".

وعلى الرغم من التشاؤم الذي يحيط المفاوضات النووية بعد فشل مهلتين من حسم الخلافات القائم، الا ان الجميع يؤكد ان التوصل الى اتفاق نهائي ليس بالأمر المستحيل، وان الصعوبة تتبع مراحل التفاوض، سيما وان الطرفين قد دخلوا في صياغة التفاصيل الدقيقة لتوقيع الاتفاق، ما يعني الدقة والحذر والمراجعة المستمرة، وهو ما أشار اليه وزير الخارجية الامريكية "كيري" متحدثا عن اجتماعه الأخير مع وزير الخارجية الإيراني "ظريف" بالقول "نحن في مرحلة يجري فيها الان وضع تفاصيل لمعظم القضايا وفهمها وأعتقد ان المهم بالنسبة لي وله ان نقوم بعملية تقيم للوضع"، خصوصا حول التفاصيل التي تتعلق بتخصيب اليورانيوم والسقف الزمني لرفع العقوبات وطريقة رفعها، إضافة الى الكثير من التفاصيل الدقيقة والحساسة.

وشكل المحافظون في إيران (وهم التيار الأقوى في إيران بقيادة المرشد الأعلى "علي خامنئي"، حيث يسيطر على اغلب مرافق الدولة وبالأخص القوة العسكرية الرسمية وشبه الرسمية، إضافة الى تمتعهم بقوة اقتصادية كبيرة)، عقبة كبيرة امام طموح الاصلاحيين بقيادة الرئيس الإيراني "حسن روحاني" في محاولة الانفتاح مع العالم الغربي، إضافة الى ابرام اتفاق نووي مع القوى الست مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران، على الرغم من الدعم المباشر الذي تلقاه روحاني من المرشد الأعلى (الذي يعتبر اعلى سلطة مطلقة في البلاد) الذي يسيطر على التيار المحافظ داخل ايران، بالمقابل فان الولايات المتحدة الامريكية، ما زالت منقسمة على نفسها امام طموح أوباما تجاه التقارب مع ايران، سيما وان الجمهوريين (وهم اكثر تشددا تجاه ايران) الذين باتوا يسيطرون على الكونغرس الأمريكي بعد الانتخابات الأخيرة، يحاولون تمرير المزيد من العقوبات الاقتصادية التي تستهدف ايران، وسط تحذيرات من محاولة "اضعاف" الجهود الرامية لإبرام اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني، كما اكدت السفيرة الاميركية في الامم المتحدة "سامنتا باور"، والتي تأتي تزامنا مع جولة جديدة من المحادثات النووية بين الطرفين، ويبدو ان للطرفين (الولايات المتحدة وايران) معارضين اشداء يقفون بالضد من أي تقارب سياسي او اقتصادي او دبلوماسي محتمل بينهما، ربما بسبب الخوف من تعارض هذا التقارب المحتمل مع مصالحهم او مصالح حلفائهم الأساسيين ومراكز القوى وجماعات الضغط التي يديرها هؤلاء المعارضين، وهي معركة كبيرة تجري خلف الكواليس الا ان ما يترشح منها يمكن ان يعطي انطبعا بان الصراع بين الطرفين ما زال غير محسوم لجهة محددة.

اضف تعليق