مثلما كان متوقعا، تطور الخلاف بين المتخاصمين إقليميا ودوليا، لينتقل الى بلدان أخرى من الشرق الأوسط والعالم العربي، والدافع وراء ذلك، كما هو معلوم لدى الجميع، الازمة السورية التي لم تستطع تركيا والسعودية او روسيا وإيران وغيرها، الاتفاق فيما بينها على طريقة يمكن من خلالها الخروج من الازمة بأقل الخسائر الممكنة، بل ذهب الجميع لقرع طبول الحرب في منطقة لا تحتمل المزيد من الحروب والأزمات.
لم يكن مستغربا ان تقوم السعودية بحجب الهبة العسكرية التي كان في النية تسليمها الى الجيش اللبناني، بعد ان ربطت خيار تسليمها بتحجيم نفوذ "حزب الله" داخل لبنان والدولة، اما في اليمن فلم يعد أحد يسمع هذه الأيام أي حديث عن مبادرات للسلام او هدنة لوقف القتال، بعد ان صدر قرار سعودي بحسم ملف اليمن عن طريق الحرب المفتوحة.
تركيا أيضا لم تستطع التوقف عن تكرار مطالبها وتهديداتها لحلفائها واعدائها، المطالب بتوفير "المنطقة الامنة" والتوغل البري الى داخل الحدود السورية، والتهديد للنظام السوري والاكراد بعد الاقتراب من حدودها، او السيطرة على مدينة "اعزاز" الاستراتيجية بالنسبة لها ولحلفائها من الجماعات المسلحة داخل سوريا.
كما هددت تركيا بإعادة ملف المهاجرين وتدفقهم المخيف نحو اوروبا التي عجزت عن احتوائهم، بعد ان خذلها "حلف الناتو" ولم يتفاعل مع مطالبها بدخول معترك الازمة السورية، والبقاء ضمن قوات "التحالف الدولي" الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الامريكية.
روسيا وإيران حققوا الكثير من النجاحات العسكرية على الأرض السورية بعد توفير الدعم الجوي والاستشارة العسكرية والمقاتلين الى النظام السوري، وفي نفس الوقت، وجهوا رسائل شديدة اللهجة الى تركيا والسعودية، وحذروها من مغبة التدخل البري او الجوي لاستهداف الجيش والنظام السوري.
تركيا التي تضررت اكثر من السعودية بعد التطورات الأخيرة، بسبب قربها الجغرافي والطابع الديمغرافي والسياسي شديد التعقيد في سوريا، والذي سينعكس سلبا على امنها وهيبتها كدولة مهمة في الشرق، حاولت استغلال أي فرصة سانحة لتدعم موقفها الضعيف في سوريا، خصوصا بعد ان حاولت اشراك العراق كطرف في الازمة السورية، بعد ان أدخلت مئات الجنود والمدرعات والدبابات الى شمال العراق بحجة مكافحة تنظيم داعش وتامين مستشاريها العسكريين وهم يقدمون الخدمات العسكرية من تدريب واستشارة لمقاتلين عراقيين، من دون طلب رسمي من الحكومة المركزية في العراق، ومن دون علم وزارة الدفاع العراقية التي نفت أي علاقة لها او تنسيق مع الجانب التركي.
الموقف العراقي الرسمي كان واضحا، على الرغم من افتقاره الى المزيد من الحزم والتصعيد الدولي، وقد رفض رئيس الوزراء العراقي، ووزارة الخارجية العراقية، ان يكون العراق جزء من أي تصفية حساب او حروب بالوكالة بين الأطراف المتنازعة في سوريا، لان العراق يركز على مكافحة وطرد تنظيم داعش من جميع الاراض العراقية، وهو يستعد لاهم معركة مع التنظيم في محافظة الموصل شمال العراق.
ان يحافظ العراق على التركيز على تحقيق هدفه الأهم في انهاء حكم داعش في العراق، هو شيء جيد للغاية، لكن التركيز على ان لا يكون العراق جزء من أي صراع سياسي او طائفي او عسكريا، ينبغي ان يكون الهدف الأكثر أهمية من جميع الأهداف، والسبب في ذلك بسيط جدا، لان العراق في حال دخوله كطرف في هذه الصراعات سيتحول الى ساحة لهذه التصفيات والصراعات، إضافة الى سلب إرادة واستقلال موقفه الوطني لصالح الجهة التي حسب عليها في نهاية المطاف... لذلك فان افضل واقصر الطرف لدحر تنظيم داعش والمحافظة على استقلال البلد والابتعاد عن الصراعات الجانبية، هو "مسك العصا من الوسط".
اضف تعليق