يكثر الحديث هذه الايام في الصالون السياسي وعبر وسائل الاعلام المختلفة عن حكومة التكنوقراط وأهميتها في هذه المرحلة طريقا لتنفيذ الإصلاحات والاستجابة لمطالب الشعب.. وقد لا يجد المراقب صعوبة بمعرفة ان حديث التكنوقراط هذا لم يطبق؛ وكان خلال السنوات السابقة طوق نجاة لمن يتعثر في تشكيل الحكومة او لمن تتعثر حكومته في اداء مسؤولياتها او لمن اراد ان يضغط او يرفض خصم سياسي او انتخابي منافس؛ او حتى لمن انتفض الجمهور ضد ادائه التنفيذي.
إذن نفهم ان دعوات حكومة التكنوقراط جيرت في الماضي بطريقة بعيدة تماما عن اهدافها، وهي اليوم تأتي بعد تعثر تنفيذ الإصلاحات وتوقف المرجعية الدينية العليا عن الخطبة السياسية في مؤشر مهم على ضرورة التغيير.
ويأتي حديث رئيس مجلس الوزراء الاخير في مقابلته مع قناة العراقية الفضائية والذي اعاد من خلاله طرح فكرة حكومة التكنوقراط التي طالب بها بشكل عابر قبل سفره الى مؤتمر الناتو واجتماع ميونيخ، لكن هذه المرة من خلال تغيير وزاري جوهري.. وضع تصورا سياسيا له قائم على التالي:
1. ان الاصلاح يحتاج الى فريق وزاري متجانس.
2. ان الحكومة الحالية ولدت من رحم البرلمان وكذا فان حكومة التكنوقراط تحتاج الى موافقة البرلمان.
3. لا يمكن تجاوز الكتل السياسية لان موافقتها ضرورية في عملية الاصلاح الجوهري وتشكيل الحكومة التكنوقراطية.
4. تجاهل الكتل السياسية ومجلس النواب في عملية الاصلاح يعني الدخول في صراع معهما.
إذن رئيس مجلس الوزراء يرى ان حكومة مصغرة ومن التكنوقراط يكون له الحرية في اختيار وزرائها هو السبيل الوحيد لتحمل مسؤولية عملها وفقا لحديثه!!، ولا نعرف من يتحمل مسؤولية فشل الوزارات الحالية في عملها وهو رئيس مجلسها منذ عام ونصف اي قرابة نصف دورة تشريعية؟؟ وهل حديثه او موافقته على المحاصصة تشفع له او تخلي ساحته من المسؤولية؟
ان محاولة الدكتور العبادي إطلاق عملية إصلاحية يجب ان تخضع لشروط عليه الالتزام بها؛ لا خرقها؛ وبالشكل التالي:
• الإقرار بمسؤوليته عن فشل الحكومة الحالية وبيان من تسبب بذلك اذا كان يرى نفسه براءا من ذلك.
• ان لا يعتمد عنصر المفاجأة مع شركائه والرأي العام في طرح خطوات الاصلاح.
• ان يقدم سببا وجيها وبشكل رسمي للتغيير الوزاري، حتى لا يكون الاصلاح عبثيا او مرهون بإرادة فردية.
كما ان طرح الدكتور العبادي لحكومة التكنوقراط خيار للإصلاح عبر وسائل الاعلام، يثير الكثير من التساؤلات حول مفهوم التعاون المرن والتشاور عبر قنوات الحوار الايجابي، خصوصا ان رئيس مجلس الوزراء طرح الفكرة دون التشاور مع شركائه في الحكومة والبرلمان وعندما أراد موافقتهم على مقترحه طالبهم بذلك من مدينة ميونيخ وعبر مقابلة تلفزيونية أيضا في بادرة لا تنم عن تعاون او وجود كواليس او صالون سياسي للتشاور مع الشركاء وهو خلاف ما أدلى به تماما في حديثه لقناة العراقية!!!.
ان تكرار مقترح التكنوقراط قد يفرغه من اهميته ومحتواه ويضر بأوضاع العراق الحالية والمستقبلية، لأنه سبق وان طرح مقترح التكنوقراط في شهر آب من العام الماضي، ولم ينفذ وقد لا ينفذ هذه المرة أيضا.
والحقيقة، ان الحل لن يأتي بالتكنوقراط فقط ولا بقول شيء والعمل بشيء آخر مغاير تماما، كما انه لن يأتي بالتفرد بالقرار او عدم تعاون الشركاء او طرح مقترحات غير قابلة للتنفيذ، بل ان الحل الحقيقي والجوهري يتطلب:
- تجاوز المحاصصة الى تحقيق التوازن.
- الفصل بين المناصب السياسية والمناصب التقنية.
- مسؤولية الوزراء امام رئيس مجلس الوزراء والبرلمان حصرا دون مسؤوليتهم امام كتلهم السياسية.
- ضرورة الانفتاح على وجوه جديدة ذات كفاءة وتخصص ونزاهة والتخلي عن تكرار الوجوه التي اثبتت فشلها في اداء متطلبات الوزارة والوظيفة العامة.
وكل الحلول لا تنجح ولا تتحقق الا بالإنصات الى صوت المنطق والعقل والتعاون المثمر والتشاور البناء وتحمل المسؤولية من قبل جميع الأطراف السياسية والإقرار بالفشل والاستعداد للمسائلة عنه.. مهما كانت العواقب.
اضف تعليق