شهد العام الماضي وبداية العام الحالي جملة من الاحداث الضاغطة على النسيج الاجتماعي في المملكة العربية السعودية، سيما على الأقلية الشيعية فيها، فبعد استهداف تنظيم داعش للمسلمين الشيعة بعمليات انتحارية وإطلاق نار داخل المدن ذات الكثافة السكانية للمدنيين الشيعة، خصوصا المنطقة الشرقية، اتبعها النظام السعودي بإعدام أبرز المعارضين الشيعة من رجال الدين، الشيخ "نمر النمر"، الى جانب 43 ممن ينتمون لتنظيم "القاعدة"، والتسويق إعلاميا على انه أعدم مواطن "إرهابي" لا يختلف كثيرا عن المدانين الاخرين.
وقد جاءت هذه العمليات الإرهابية، في وقت يحاول فيه "الحكام الجدد" في المملكة، إعادة وجودهم الإقليمي امام إيران غريمهم التقليدي، وهو ما افرز تحالفا عربيا لضرب اليمن وهبوط حاد في أسعار النفط، وإعادة جمع وتوحيد المعارضة التي تدعمها السعودية، إضافة الى قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران.
هذا التزامن بين كثافة العمليات الإرهابية التي استهدفت الأقلية الشيعية في المملكة مع التطلعات الجديدة للمنطقة من قبل الملك "سلمان بن عبد العزيز" وولده "محمد بن سلمان"، يبعث على الاستغراب ويطرح المزيد من علامات الاستفهام... لكن قد يقرها البعض من زاويتين:
الأولى: ان ما حذر منه الخبراء والمحللون من حجم الاختراق الكبير للفكر المتطرف، (سواء تنظيم القاعدة او داعش)، داخل البيئة السعودية، امر حقيقي وغير قابل للنقاش، وان انفجار الأوضاع داخل هذه البيئة ربما مجرد وقت ليس أكثر.
وإذا دققت جيدا وبحثت عن حجم ما يبث من فكر متطرف للمذهب الوهابي (المذهب الرسمي للنظام السعودي) يغذي العنف ويكفر اغلب المذاهب الإسلامية الأخرى، خصوصا الشيعة، على وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات ومنابر المساجد وغيرها... لوجدته يحاول السيطرة على المزاج العام للمجتمع ويلغي أي دور للتسامح او الترويج لثقافة التعايش مع الاخرين مهما كانت دياناتهم ومعتقداتهم.
وفي هذه الحالة فان التطرف وجد منفذ اخر للتنفيس مع نظام يحكمه متشددون يسعون لشن المزيد من الحروب في المنطقة والترويج لها على أساس انها "حروب دينية مقدسة".
الثاني: ان استهداف المسلمين الشيعة تم ويتم بعلم وتنسيق "الحكام الجدد" او على الأقل بغض الطرف عن تحرك التنظيمات المتطرفة في سعيها لإيقاع أكبر ضرر بالمسلمين الشيعة من مواطني المملكة.
طبعا إذا صدق هذا الظن، فالمقصود من وراء هذا الامر رسائل توجه للداخل السعودي وأخرى للخارج... ولعل كسب ود من قامت مملكة "ال سعود" على اكتافهم من علماء المذهب الوهابي والسلفيين اهم رسائل الحكام الجدد في الحفاظ على التوازن بين الشرعية الدينية والسياسية التي يعتمد عليها "ال سعود" في استمرار حكمهم واستمرار ولاء القبائل لهم.
الغريب أيضا، ان مجتهد، صاحب الحساب السعودي الشهير، الذي لم يعتد الصمت امام القضايا التي تتعلق بفضح نظام "ال سعودي"، غرد على "تويتر" بالقول "هناك تفاصيل عن تداعيات تفجير الأحساء لكن المصادر لم تسمح بالنشر... لكن أستطيع أقول: التداعيات قد تكون باتجاه مختلف عما في البال والأحداث ستسبقنا".
الخوف من انهيار "السلم الاجتماعي" داخل المملكة بعد هذه الضغوط الغير مسبوقة، التي استهدفت المواطنين الشيعة، على المستوى الاجتماعي والديني والسياسي والحقوقي والاقتصادي، ليكتمل بالعمليات الإرهابية التي استهدفتهم في مناطق سكناهم وأماكن عباداتهم، وبالتالي فان الدفع باتجاه التصعيد الطائفي لن يخدم أحد في المنطقة، خصوصا في شبه الجزيرة العربية والخليج.
اضف تعليق