ثمة أمور لا يمكن التوصل فيها الى اتفاق او توافق بين خصمان تقليديان في الشرق الأوسط، إيران والسعودية، مهما بلغت "الوساطة" بينهما أهمية وتأثيرا... لأنها ببساطة تصل الى مفترق طرق لا يمكن ان تسير فيه كلتا الدولتين بمسار واحد.
مثال ذلك ما قاله وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في حديثه عن التصعيد الدبلوماسي الأخير مع إيران ان "المملكة العربية السعودية ملتزمة بأمرين، أنا دائما أقول إن هناك أمرين لا نتفاوض فيهما، إيماننا وأمننا، ستقوم السعودية بكل ما يلزم لحماية شعبنا من أي ضرر، وسأترك الأمر عند هذا الحد".
وإذا ما انتبهنا الى الامرين الغير قابلين للتفاوض من جانب المملكة، "الايمان" او العقيدة و"الامن" الداخلي والخارجي، فان الطرف المقابل لها، إيران، لديها ذات التحفظات التي ربما تختلف اختلافا جذريا في طريقة تعاطيها مع الامرين.
فالإيمان او العقيدة، (الدينية او السياسية او الاجتماعية...الخ)، للنظام السعودي لا يمكن ان تلتقي باي حال من الأحوال مع مثيلتها التي يؤمن بها النظام في إيران، سيما وان العصر الذي يعيشه الشرق الأوسط، هو عصر "الصراع الطائفي" بامتياز... اما توفير "الامن" فقد يعني التنافس الخارجي في فرض الهيمنة على حساب الطرف الاخر كجزء من توفير الامن الداخلي، ما يعني المزيد من حروب بالوكالة، القائمة على يمين وشمال إيران والسعودية، وبالتالي فان الارتكاز او التركيز على أمور تفرق ولا تجمع بين الطرفين لن ينجح في خلق حالة من التوازن حتى وان كانت هناك وساطة ضاغطة.
يمكن اعتبار التقارب الأمريكي- الإيراني كنموذج ناجح لأي تقارب مستقبلي او وساطة متوقعة بين ايران والسعودية، فالفوارق الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية اكثر من "وهم" عقد محادثات قد تنتهي بالتوصل الى صداقة او شراكة او تعاون دبلوماسي يخفف حدة التوتر بين البلدين، في الخليج خصوصا والشرق الأوسط عموما.
يمكن للمصالح المشتركة بين الطرفين الإيراني والسعودي ان تنجح في وساطة "لا حرب ولا سلام"، بمعنى انها وساطة تقوم برسم الحدود الدبلوماسية والخطوط الخاصة بكل بلد إقليميا وربما عالميا، فبدلا من تصعيد المواقف السياسية والاقتصادية كلما قدم جيل جديد او تيار للحكم في كلا البلدين، يمكن اعتماد قواعد تحكم تصرفات البلدين... ولتكن البداية من المشتركات الاقتصادية على سبيل المثال، او طريقة التعامل الدبلوماسي او إدارة الاعلام بين البلدين وغيرها من الأمور.
ويمكن الانتقال بعدها الى الملفات الأكثر تعقيدا، والتي تنطلق من جهود مكافحة الإرهاب العالمي وصولا الى الملفات الحساسة في سوريا واليمن والبحرين وغيرها....
اما سياسية قطع العلاقات الدبلوماسية والمناوشات الكلامية والحرب الاقتصادية والاتهامات المتبادلة، فإنها سياسيات لن تأتي بالنتائج المرجوة لكلا البلدين، بل ستنعكس سلبا عليهما في المقام الأول.
فالحديث عن وساطات يمكن ان تقوم بها باكستان او الصين، ومن سبقهما في إسطنبول وبغداد ومسقط، لا يمكنها ان تحقق أي نتيجة حقيقية على المدى المتوسط او البعيد، ربما تتمكن من القيام بتهدئة وقتية سرعان ما تزول عند او تصادم بينهما... والامس القريب شاهد على ذلك، فالعلاقة الدبلوماسية كانت متزنة، الى حد ما، في زمن الرئيس الإيراني الإصلاحي "خاتمي" والملك "عبد الله بن عبد العزيز" في السعودية، سرعان ما انتكست مع رحيل الأخير وقدوم الملك "سلمان" الى السلطة.
ينبغي التركيز ليس على من سيقوم بالوساطة، وانما طبيعة ما سيطرح من خلال هذه الوساطة، والى اين تريد الوصول في نهاية المحادثات ان جرت فعلا؟.
اضف تعليق