الحرب التي افتعلتها السعودية في اليمن أواخر مارس/ اذار من العام الماضي، كان هدفها المعلن إعادة الرئيس الهارب "هادي" الى سدة الحكم، بعد ان اتهمت الحوثيين وتنظيمهم السياسي "أنصار الله" بتدبير انقلاب عسكري وسياسي بالتعاون مع الرئيس السابق "صالح" لتقاسم السلطة مع حزب "المؤتمر" والذي سيؤدي الى خسارة السعودية "لفنائها الخلفي" لصالح خصمها الإقليمي اللدود "إيران".
في سبيل ذلك جمعت أكثر من 10 دول خليجية وعربية لإعلان "تحالف عربي" أعلنت فيه ان "النزهة" العسكرية في اليمن لن تستغرق في اقصى الحدود مدة الشهر، بعد ان حددت أهدافها في تدمير الخزين الصاروخي (الصواريخ البالستية) والقدرات الهجومية للجيش اليمني، (الذي ما زال يدين بالولاء للرئيس السابق)، واستعادة العاصمة السياسية، صنعاء، للحكومة التي وافقت عليها المملكة، رغم انتهاء مدة حكمها وفقا للتفاهمات السياسية التي أعقبت الإطاحة بحكم صالح بعد احداث الربيع العربي.
ومع انها انتقلت من صفحة "عاصفة الحزم" الى صفحة أخرى، ومن تفاهم محلي الى اخر دولي، الا انها لم تتمكن (السعودية) ولا حلفائها (الخليج) من تحقيق أي تقدم يذكر، سواء على الصعيد العسكري ام السياسي، حتى بعد مضي (10) أشهر من القتال البري والقصف الجوي المكثف، والتي تخللتها وقف لإطلاق النار "هدنة هشة" سرعان ما ذابت مع اول لقاء او محادثات جرت بين الفرقاء.
الغريب في الامر ان صالح الذي تتهمه بالوقوف وراء التقدم العسكري للحوثيين والذي غير التوازنات السعودية في اليمن منذ أجيال، كان من اقرب حلفائها في هذا البلد الذي يصعب حكمه، سيما وانه (صالح) قد وصف فترة حكمه التي تجاوزت الأربع عقود "كالرقص على رؤوس الثعابين"، وبدلا من مراجعة حساباتها والتصرف بطريقة اكثر عقلانية، قررت خوض غمار الحرب المباشرة، بعد ان وجهت التهم مسبقا الى ايران ودفعت الحوثيين للتحالف مع حليفها السابق، فيما تركت تنظيم القاعدة مطلق اليد، وهو ما احرج الولايات المتحدة الامريكية وطائراتها المسيرة في التصدي لأقوى فروع التنظيم في شبه الجزيرة العربية.
لقد وصف الكثير من الخبراء والقادة وحلفاء السعودية، بصريح العبارة او ضمنا، بانها "حرب عبثية"، كما نقلت احدى الوكالات الغربية ان "بنك الأهداف الأخيرة لقوات التحالف كان عبارة عن مصانع للمشروبات الغازية في صنعاء والحديدة ومصانع لإنتاج الألبان ومزارع أبقار ومدارس، وأخيرا مستشفيات في صعده والبيضاء ومدارس في تعز وعمران"...
في إشارة الى ما قاله قال العميد أحمد عسيري المتحدث باسم التحالف العربي، بعد ثلاثة أشهر من بدء عمليات، وهو إن "قوات التحالف تمكنت من تدمير 80 في المائة من القوة الصاروخية للرئيس السابق علي عبد الله صالح وحلفائه الحوثيين"، قبل أن يتراجع ويؤكد إن "المعلومات لم تكن دقيقة"... وعلقت الوكالة "وكأنها عملية انتقامية لا علاقة لها بالأهداف العسكرية".
ولم تقتصر التعليقات الساخرة، او الادانات بالقصف العشوائي (الانتقامي) الذي استهدف المواطنين المدنيين في اليمن، بدلا من القوات العسكرية او المسلحين في ساحات القتال، على وسائل الاعلام، بل شملت الادانات العديد من المنظمات العالمية، كمنظمة "هيومن رايتس وتش" ومنظمة "العفو الدولية" التي اكدت إنها "جمعت أدلة تؤكد معلومات تفيد بأن قوات التحالف الذي تقوده السعودية قد ألقت قنابل انشطارية أمريكية الصنع في (6/كانون الثاني/ 2016) على العاصمة اليمنية صنعاء"، وراح ضحيتها عدد من المدنيين، مع الاخذ بعين الاعتبار ان هذا النوع من المقذوفات "محرم دوليا" منذ العام (2008) في النزاعات العسكرية... الا ان الطريف في الامر، أن الولايات المتحدة والسعودية ليستا من ضمن الـ 116 دولة التي وقعت هذه الاتفاقية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قد دان في 11/كانون الثاني، هجوم على "مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في صعدة"، أسفر عن قتل وجرح عدد من المدنيين، معتبرا أن "المستشفيات والعاملين في المجال الطبي مناطق محمية بموجب القانون الإنساني الدولي، والذي يعتبر أي هجوم متعمد ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية انتهاكا خطيرا للقانون الدولي".
وبالرغم من كل ذلك، ما زالت الحرب في اليمن تراوح مكانها، من دون حسم "العبث" السعودي فيها، فهي لم تنتهي بهدنة إنسانية ولم يتم التوصل الى أي حل سياسي مقنع للأطراف المتخاصمة، كما لم تخضع أي جهة، حتى الان، الى ضغوط دولية او إقليمية لإيقاف الحرب على الأقل من طرف واحد.
في المقابل فان اليمن دمرت بالكامل، وهي تعاني من نقص حاد في الامدادات الغذائية والدوائية، ولا توجد فيها أي بنى تحتية للخدمات صالحة للاستخدام، والقادم سيكون اسوء ان لم يتم حسم هذا الملف بصورة سريعة ومنطقية.
اضف تعليق