عندما جنح الزورقين الأمريكيين الى المياه الإقليمية الإيرانية وهما في طريقهما الى البحرين، تم اعتقالهم من قبل قوات "الحرس الثوري" الإيراني، رغم وجود حاملة الطائرات الأمريكية (ترومان) وحاملة الطائرات الفرنسية (شارل ديغول) في المياه الدولية وعلى مقربة منهما.
وكادت هذه الحادثة (الروتينية) ان تتحول الى حلقة جديدة من مسلسل التوتر الدبلوماسي الذي ضرب منطقة الشرق الأوسط مؤخرا، وكانت إيران والسعودية والبحرين والامارات وغيرها جزء رئيسيا منه، سيما وإنها تزامنت مع قرب اعلان منظمة الطاقة الذرية التزام إيران بتعهداتها من اجل تطبيق المرحلة الأولى من رفع العقوبات الامريكية والاوربية عنها.
حوادث الاحتكاك البحري بين إيران والولايات المتحدة الامريكية في مياه الخليج ليست سابقة جديدة في تاريخ العلاقات التي جمعتهما لكن بعد تاريخ (1979) وهو العام الذي نجحت فيه الثورة الإيرانية بتغيير نظام حكم الشاه الحليف المهم للولايات المتحدة الامريكية في الخليج والشرق الأوسط... ولعل الجميع يتذكر سنوات التوتر (1980-1988) ابان الحرب العراقية-الإيرانية والتي أصبحت البحرية الامريكية جزء منها بعد ان حاولت البحرية الإيرانية منع تصدير السلاح الى نظام صدام وتهديد حلفاء أمريكا الخليجيين، وقد ولد هذا الاحتكاك "صراع بحري وضع في تاريخ البحرية الامريكية كأكبر معركة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية". بحسب مراقبين وخبراء.
في عام 2008، وبحسب الرواية الامريكية، اقتربت 3 زوارق ايرانية بطريقة عدائية من ثلاث سفن تابعة للبحرية الامريكية في مضيق هرمز وهددت بتفجير السفن الحربية، فيما قال ستيفن هادلي مستشار الرئيس جورج بوش للأمن القومي "كان هذا عملا استفزازيا للغاية من جانب الايرانيين وكان يمكن (بل أنه أوشك للغاية) أن يسفر عن احتكاك بين قواتنا وقواتهم".
وفي العام الماضي أجبرت قوات عسكرية ايرانية الناقلة (ميرسك) البنمية على الدخول لميناء ايراني، وعلى ما يبدو حاولت فعل الامر نفسه مع السفينة (كينجستون) التي كانت ترفع علم الولايات المتحدة، لكن إعلان الاسطول 5 البحري الخامس الامريكي تسيير دوريات حراسة منتظمة، حال دون ذلك، حيث ستصاحب سفن حربية أمريكية التجار الأمريكيين كلما عبروا المضيق لحمايتهم من القوات الإيرانية... على الرغم من المرحلة الحساسة التي كانت تمر بها المفاوضات النووية مع إيران في تلك الفترة.
طبعا الحادثة الأخيرة والتي اسفرت عن احتجاز (10) بحارة امريكان بينهم امرأة واحدة، لم تنتهي بمأساة او توتر من أي نوع (دبلوماسي او عسكري)، بل على العكس من ذلك تماما... حيث لعبت الدبلوماسية الإيرانية والأمريكية "لعبة الحوار" الناجح مرة أخرى، حيث انتهت الازمة بعد اقل من 24 ساعة من وقت إعلانها.
وسرعان ما كتب محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، عبر حسابه على موقع تويتر قائلا "سعداء أن نري الحوار والاحترام وليس التهديد والتسرع قد ساعدا في حل قضية البحارة بسهولة، لنتعلم من هذا النموذج"... فيما قال، جون كيري، وزير الخارجية الامريكية "اريد ان اعبر عن امتناني للسلطات الايرانية على تعاونها من اجل حل هذه المسالة سريعا".
لا اعرف لماذا تذكرني هذه "النهاية السعيدة" بين الجانبين بالنهاية "غير السعيدة" للعلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وعدم قناعة الولايات المتحدة الامريكية بالتصعيد الدبلوماسي الأخير، كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي نقلا عن كيري: "أحد الأمور الرئيسية التي يفكر فيها (كيري) هي نزع فتيل التوتر واستعادة بعض من الشعور بالهدوء والتشجيع على الحوار والتواصل بين هذين البلدين، والتأكيد أيضا على أن هناك قضايا أخرى ملحة في المنطقة"... سيما وان انعقاد مؤتمر جنيف على مسافة أيام قليلة من اجل وضع حد للنزاع في سوريا، كما ان "كيري" سيلتقى وزير خارجية السعودية "الجبير" في لندن خلال اليومين القادمين لبحث الخلاف بينها وبين ايران بصورة مباشرة.
ربما تحاول الولايات المتحدة الامريكية من خلال "النموذج" الذي تحدث عنه وزير الخارجية الإيراني في الحادثة الأخيرة، إيصال المزيد من الرسائل الدبلوماسية لحلفائها الخليجيين عن كيفية إدارة "لعبة الحوار" الناجح التي مارستها مع إيران والتي حالت دون تصعيد المواقف او استفزاز أي طرف للطرف الاخر.
اضف تعليق