لو كان أَلْأَزْهَرُ (الشَّريف) يحمل ذرة حرص على دماء المسلمين وعلى حاضر ومستقبل الامّة لما عضّ اليد الكريمة التي امتدّت اليه من العراق، وتحديداً من الوقف الشيعي.
ولو كان حريصاً على واقعهِ وتاريخهِ وسمعتهِ واسمهِ لما تعامل مع دعوة الوقف بعدوانيّة وتربّص وتشنّج غير مبرّر البتّة!.
فبينما يودّع العالَم، والمسلمون تحديداً، عاماً ميلادياً ينتهي عاشَوا فيه مرارة الارهاب والقتل والذبح وسبي النساء وتدمير المدنيّة والحضارة والتّاريخ، وكلّ ذلك باسم الدّين وبعقلية الأزهر التي وردت في بيانهِ الأخير، والتي تُلغي الآخر وتحتكر الحقيقة وتدّعي حاكميّتها الإلهية على البشر من دون النّاس، وبينما يترقّب العالَم، والمسلمون على وجه الخصوص، العام الميلادي الجديد وهو يحمل لنا بشائر النّصر على الاٍرهاب (الدّيني) الذي غذّتهُ عقليّة فقهاء التّكفير والبلاط الذين لا يَرَوْن أَبعد من أرنبة أنوفهم كلّما اصدروا فتوى، لخدمة السّلطان، تحرّض على الفتنة وتغسل ادمغة المغرّر بهم من شباب الامّة الضّائعين بين استبداد السّلطات الظّالمة، الاستبداد السياسي، واستبداد مِنبر الجمعة الذي يعتليه الجهلة بالمفاسد والمصالح وأنصاف المتعلّمين الذين لا يُعيرون للواقع ايّ اهتمام، فيغذّون المتلقّين بفتاوى التّكفير والحقد والكراهية، الاستبداد الديني.
بين الامل والرّجاء في السّاعات الفاصلة بين عامين يصدر عن الأزهر بياناً تحريضياً جديداً ليصدم الامّة مرّةً اخرى، كونه مؤشّر خطير على غلبة العقليّة التكفيرية المتحجّرة في الامّة على العقليّة الوسطية والمعتدلة التي عُرف بها الأزهر منذ التّأسيس.
انّ سقوط الأزهر في وحل التعصّب الأعمى وتخليه عن رداء الوسطيّة والاعتدال في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به الامّة، يمثّل كارثة حقيقية، فلطالما لجأت الامّة، وخاصّة الشّيعة، الى خطاب الأزهر كلّما اشتدّت عليها المحن وتراكمت غيوم الفتن السوداء، خاصة الطائفيّة منها، فلِمن ستلجأ بعد الان، يا تُرى، اذا انهار الأزهر واستسلم للتشدّد وتطابق خطابهُ الإقصائي مع خطاب الوهابيّين والتكفيريّين والارهابيّين؟!.
وانّ أشدَّ ما يحيِّر العقل هو كلّ هذه الوداعة واللين والرّحمة في اللغة والخطاب الذي يتعامل به الأزهر عندما يتحدّث عن الاٍرهابيّين وجرائمهم البشعة التي يرتكبونها يومياً ضد الأبرياء في كلّ مكان، بينما لم يوفّر حرفاً واحداً من لغة العنف والشدّة عندما يتحدّث عن نصف المسلمين في العالم واقصد بهم شيعة أهل البيت عليهم السلام! ناسياً او متناسياً قول الله تعالى {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
انّ حفظ وحدة الامّة والحرص على وحدة المجتمع لا تتحقّق بإلغاء نصف الامّة واتّهامها بشتّى انواع التّهم والاكاذيب الباطلة! وهي لا تتحقّق بالطّعن بعقائد نصف الامّة! ولا تتحقّق بالهرب من الحوار المنطقي والعقلاني المبتني على الاحترام المتبادل وقوة المنطق! وأخيراً لا تتحقّق اذا خافت أعظم وأكبر وأعرق مؤسسة دينيّة رسميّة في الامّة من مصادر نصفها فترفض حتّى استلامها والخوض في الموضوع والرّد، بدلاً عن الشّكر والامتنان، بالتّهم والافتراءات!.
نتمنّى على الأزهر ان يبقى (شريفاً) بخطابهِ المعتدل ونهجهِ الوسطي، ونتمنّى عليه ان يبقى (شريفاً) بسعيهِ الحثيث للمِّ الشّمل وتوحيد الكلمة، ونتمنى عليه ان يبقى (شريفاً) بالتمسّك بموقعهِ كرُكنٍ شديدٍ تأوي اليه الامّة كلّما عصفت بها البلاءات التي سببها الاوّل والأخير هو التعصّب والتّكفير والكراهية واحتكار الحقيقة والغاء الاخر.
نتمنّى عليه ان يظل (شريفاً) بالدّفاع عن المظلومين والتمسّك بإظهار الحقيقة وعدم اللّجوء الى الخداع والتّضليل والتزوير لإرضاء السّلطات الظّالمة كما فعل في بيانه الأخير عندما أَسقط افعال المجرم الجاني على الضحيّة (شيعة أهل البيت عليهم السلام)!.
نتمنّى عليه ان يظل (شريفاً) يمدّ يد الأخوّة والمحبّة والحوار المنطقي والعقلاني لبقيّة المؤسسات الدينية الاخرى في العالم الاسلامي والتي تتّصف بالحرص على الامّة ودماءها وأعراضها وبلدانها وسمعة دينها وسمعة نبيها الكريم الذي وصفه ربّ الْعِزَّة بقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} والتي تقف على رأسها الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، العريقة بتاريخها ومدرستها ومنهجها، وشخص المرجع الديني الأعلى الذي يعترف له البعيد قبل القريب والعدوّ قبل الصّديق بالحكمة والتعقّل والوسطية والحرص الشّديد على الامّة ودماءها، والتي جنّب بها الكثير من المخاطر العظيمة التي كادت ان تأتي على بلاد المسلمين، والّتي حمى بها السّنة قبل الشيعة وغير المسلمين قبل المسلمين وغير العرب قبل العرب!.
فهل سيحتفظ الأزهر بشرفهِ، ويعض على وسطيّتهِ واعتدالهِ بنواجذه متجاوزاً ومتحدّياً كلّ الضّغوط والإغراءات؟!.
نأمل ذلك.
وكلُّ عامٍ والأزهر اقرب الى الوسطيّة والاعتدال والعقلانيّة ليزدادَ (شرفاً) الى (شرفِهِ) الذي ورثه من التّأسيس!.
اضف تعليق