ما ان توالت الانباء عن تدهور صحة ملك السعودية (عبد الله بن عبد العزيز)، حتى توالت معها التحليلات والتوقعات لمستقبل المملكة ذات البعد الاقليمي المهم في منطقة الشرق الاوسط، وجاءت كثرة التكهنات لعدة اسباب:
أولها: عمر الملك الذي تجاوز (90) عام، بعد ان تكرر دخوله للمشفى عدة مرات خلال أقل من عام، وقد اجرى سابقا عمليات جراحية في الولايات المتحدة الامريكية، كما انه يعاني من صعوبة في التنفس والتهابات رئوية حادة استدعت وضع أنبوب مؤقت يساعده على التنفس، وهو مشهد تكرر للمرة الثانية، حيث كانت الاولى عند زيارة اوباما للملك في اذار الماضي.
الثانية: ان نظام الحكم في المملكة هو نظام (الملكية المطلقة)، ويوصف بانه نظام معقد للغاية، يعتمد على الغموض، فالنظام الأساسي للحكم لسنة 1992 وهيئة البيعة السعودية لعام 2006، لا توضح بصورة شفافة كيفية انتقال الحكم، الامر الذي يثير الكثير من التنافس والغموض حول طبيعة الملك القادم، وسط احتدام الصراع بين الامراء والعوائل الملكية.
الثالثة: تأتي حراجة الحالة الصحية للملك مع التطورات السياسية والاقتصادية المرتبكة في منطقة الشرق الاوسط، خصوصا على صعيد التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، واسعار النفط، اضافة الى الصراع التقليدي بين السعودية وايران والملفات الاخرى المتعلقة بهذا الصراع في المنطقة.
طبعا للملك عبد الله حظ سيء مع اولياء العهد، اذ توفي وليا عهد في حياته (الامير نايف والامير سلطان)، فيما يعاني ولي عهده الأمير سلمان من مشاكل صحية كبيرة قد تبعده عن الحكم، لذا فقد استحدث ولي لولي العهد، وطبعا كان الاختيار على الامير مقرن مع اعتراض الكثير من الامراء على هذا الاختيار.
بالعودة الى تغريدات "مجتهد" الشهيرة على موقع تويتر، والذي يكتب تحت اسم مستعار، لكن التسريبات لاقت شهرة واسعة لدقة المعلومات وقربها من الواقع كثيرا، فقد اشار بالقول الى "ان التعب بدا على الملك قبل يومين ثم تردت حالته البارحة وتقرر نقله للمستشفى، وتم نقله بطائرة الإخلاء ووصل المستشفى 11 ليلا"، واضاف "أن مخيم الملك في روضة خريم فيه مستشفى كامل التجهيز لكن يبدو ان الحالة التي تردى إليها الملك تحتاج إلى مستشفى متطور"، واكد ايضا "كان الاستعداد الأمني كبيرا لكن لسبب لم تصلنا تفاصيله تضاعف الاستنفار الأمني بعد الفجر (بعد وصول الملك بخمس ساعات )، مؤكدا أن المستشفى تحول إلى "ثكنة".
لكن الخبر الاهم الذي ذكره "مجتهد"، وهو ما يؤكد السيناريو الاقرب للواقع، بعد تعيين الامير مقرن كوليّ ثان للعهد، وتم تداوله بشكل واسع من قبل الخبراء والمراقبين، حيث اشار الى وجود تسريبات تشير الى ان رئيس الديوان الملكي (خالد التويجري) سيصدر القرارات التالية باسم الملك:
- يعزل الامير (سلمان) ويعين (مقرن) ولي عهد بدلا من المعزول
- يتنحى الملك فيصبح الامير (مقرن) ملكا جديد للسعودية
- يعين الامير (متعب) ولي عهد لعمه (مقرن)
وقد اشار (سايمون هندرسون) في مقال نشر العام الماضي في معهد واشنطن (قبل زيارة اوباما للسعودية) حول تطورات الحكم في السعودية بالقول "وتظل مسألة الاستعانة بالوثائق أو الهيئات القانونية في تحديد من هم ملوك وولاة عهد المملكة العربية السعودية في المستقبل ضرباً من التخمينات، وليس هناك شيء يمنع الملك من إلغاء "هيئة البيعة" واتخاذ إجراءات بديلة، وفي غضون ذلك، تُتداول سيناريوهات متعددة للخلافة في أرجاء المملكة والعالم العربي، منها أن مُقرن هو من سيكون الملك وسوف يُعين متعب بن عبد الله ولي عهد له، ومن ثم يُقصي بذلك المنافسين السديريين، وعلى الرغم من أن المنافسات التي تدور داخل بيت آل سعود كانت تنتهي عادة داخل أسوار القصر، إلا أن هناك تكهنات تزداد بكثرة مفادها أن بقية العالم قد يلحظ المناورات القادمة.
بالتأكيد فإن من شأن الخلافات التي قد تتعدى "حدود اسوار القصر الملكي" ان يكون لها تداعيات حساسة في المنطقة على قضايا جوهرية (الطاقة، الارهاب، ايران، امن الخليج، مصالح الغرب)، تعتمد عليها الولايات المتحدة الامريكية مع حليفها التقليدي (السعودية) في شراكة قديمة (8 عقود من الزمن)، وبالتالي فان تعيين الامير (مقرن) كولي عهد ثاني (استحدث هذا المنصب) قبل زيارة اوباما للسعودية لم يأت عن طريق الصدفة، كما ان التغييرات الوزارية الاخيرة ومنصب نجل الملك عبد الله المهم، الامير (متعب)، ايضا لم يأت عن طريق الصدفة، وانما هناك تسلسل منطقي لاعتماد هذه التغييرات كمقدمة لمنع حدوث اي تغيرات جوهرية او خلافات عائلية حول الحكم في المملكة، وبالتالي انعكاس هذه الخلافات على الحلفاء ومصالحهم في المنطقة، وبالأخص الولايات المتحدة الامريكية.
ويبدو ان سيناريو الخلافة في المملكة سائر بهذا الاتجاه (الذي اشار اليه مجتهد)، مع بروز خلافات جانبيه بين الامراء المعترضين، سرعان ما تنتهي بالسيطرة الحلف الاقوى (مقرن-متعب) والاكثر صحة من سلفهم، والاقرب الى ميول الولايات المتحدة الامريكية التي سوف تتدخل بقوة مع هذا السيناريو، وهو ما حث عليه ايضا خبراء (معهد واشنطن) لسياسات الشرق الاوسط بالقول "مع احتمال اتجاه الأمور نحو انتقال فوضوي، ستحتاج الولايات المتحدة إلى التأكيد على أهمية مجيء قيادة تتمتع بالأهلية وتتسلم مهام السلطة على وجه السرعة، وإلى عدم الاعتماد على مجرد الأمل في أن يتمكن بيت آل سعود من إيجاد الحل لذلك بنفسه".
اضف تعليق