توسع السياسية الخارجية لدولة ما يستنزف الكثير من طاقاتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية والأمنية وحتى الاجتماعية، خصوصا في حال لم تتمكن هذه الدولة من ربح الملفات التي راهنت عليها خارجيا، كما انها في نهاية المطاف يمكن ان تنعكس سلبا على مستوى الاستقرار في النسيج المجتمعي لديها في حال شكلت هذه السياسيات الخارجية انعكاسا مباشرا على السياسية الداخلية للنظام السياسي فيها.
للتوسع في السياسية الخارجية العديد من الأوجه النفعية للدولة او النظام السياسي او الحكومة التي تتبنى هذه الاستراتيجية قصيرة او بعيدة المدى خلال أدائها الدبلوماسي او الاقتصادي او العسكري...الخ، لكنها بالمجمل تعتمد على مدى العقلية الديناميكية او البراغماتية التي تصب في مصلحة الدولة، خصوصا في حسابات الربح والخسارة، التي يعتمد عليها مقدار التدخل وحجمه وتوقيته.
في منطقة الشرق الأوسط، الكثير من الملفات الساخنة، يضاف اليها الكثير من الأطراف الإقليمية الراغبة باللعب في مناطق التماس مع أطراف إقليمية أخرى، وقد أدى التوسع في سياسات هذه الدول "خارجيا" الى توليد المزيد من الازمات التي عجزت عن دفع ضررها بعيد عنها فضلا عن الاخرين.
السعودية البلد الغني بالإنتاج النفطي على مستوى العالم، اقحمت نفسها في عدة محاور للصراع في اليمن والعراق وسوريا، إضافة الى التحكم بأسواق النفط عالميا، والتي أحدثت هبوطا حادا في أسعاره ليصل دون (40) دولار امريكي بعد ان تجاوز عتبة (120) دولار قبل أكثر من عام.
القدرة على الصمود امام تداعيات التوسع الخارجي تعتمد على القدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية، داخل البلد، إضافة الى قوة النسيج الاجتماعي للبلد على الصمود امام التداعيات السلبية المتوقعة مستقبلا.
اقتصاديا "يتوقع اقتصاديون ومحللون بارزون أن تنطوي ميزانية 2015 على عجز يتراوح بين 400 و500 مليار ريال (بين 107 مليارات و133 مليار دولار) وهو ما يمثل نحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي"، اما هذه الحال قد تلجأ الحكومة الى "خفض الإنفاق هو الحد من الزيادات والعلاوات في فاتورة الرواتب الحكومية العام المقبل. لكن يؤكد المحللون والاقتصاديون أن هذا الأمر ينطوي على حساسية سياسية"... بمعنى ان أي اختلال اقتصادي سينعكس بصورة او أخرى على الأوضاع السياسية للملكة.
وليس ببعيد عن الامرين (السياسي والاقتصادي) ما زالت تحاول المملكة الحد من تداعيات الضريبة المكلفة لحربها في اليمن، التي اكدت انها لن تستغرق سوى أسابيع عندما أطلقت عاصفة الحزم في أواخر مارس الماضي، لكن بعد 8 أشهر من الحرب والقصف والحصار ما زال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء وهم من يضع الشروط للموافقة على وقف إطلاق النار...
وبرغم الخسارة وحجم الدمار الذي تعرضت له اليمن على يد "التحالف العربي" الذي قادته السعودية، الا ان حجم الأموال التي صرفتها المملكة لتغطية فاتورة الحرب كبيرة جدا وقد تتجاوز عتبة (100) مليار دولار لا تملك الا تغطيتها من رصيدها الخاص الذي تحتاجه أيضا في تغطية العجز المتوقع في الموازنة القادمة.
لكن بدلا من إعادة تدوير حساباتها المنطقية وتقليل حجم الخسائر المادية (التي تعتمد عليها المملكة بشكل رئيسي لكسب الولاء وتوفير نمط الرفاهية الخاص لمواطنيها ومنع أي تداعيات للرأي العام كما في احداث الربيع العربي عام 2011 عندما أطلقت حزم مالية ضخمة لمنع الاحتجاجات ضد العائلة الحاكمة)، ما زالت تمارس المزيد من التوسع في سياساتها الخارجية من دون حصد النجاحات في النهاية.
ولعل مؤتمر (المعارضة السورية) الذي تبنته الرياض قبل أيام يعكس خطا اخر للتدخل في ازمة خارجية ما زالت السعودية تصر على كسب الرهان فيها رغم خمس سنوات من الشد والجذب بين أطراف إقليمية ودولية من دون التفكير بجدية لحل القضية حلا سياسيا حقيقيا.
وكما أشرنا في بداية الامر، التوسع خارجيا لن يجلب للنظام سوى المزيد من المتاعب، إذا ما تم حساب الامر بطريقة خاطئة، ولم تكن تملك حسن إدارة الموارد (بمختلف أنواعها) بطريقة سليمة تؤهلك لمواصلة المشوار والخروج بنتيجة واقعية... وعندما يحين وقت الوقوع في المتاعب والمشاكل فسيكون من الصعب حينها الخروج سالما منها.
اضف تعليق