فوز المعارضة الفنزويلية في الانتخابات التشريعية شكل مفاجئة كبيرة خصوصا اذا ما علمنا ان المعارضة حققت فوزا تاريخيا فيها بعد حصولها على غالبية مقاعد الجمعية الوطنية للمرة الاولى منذ 16 عاما، حيث جاء الاقتراع على خلفية استياء شعبي ازاء الازمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد ليفوز ائتلاف المعارضة (طاولة الوحدة الديمقراطية) بـ99 مقعدا مقابل 46 مقعدا لحزب (فنزويلا الاشتراكي الموحد) بزعامة الرئيس نيكولاس مادورو.. فيما لا تزال 22 مقعدا غير محسومة اثناء كتابة هذا المقال.
ما يهمنا في الامر ليس تبادل الأدوار بين المعارضة والحزب الحاكم في فنزويلا التي هي بعيدة عنا وعن منطقتنا في أقسى بقاع الارض بامريكا الجنوبية، بل كيف يخسر الحزب الحاكم؛ السلطة وهو حزب الزعيم الراحل هوغو تشافيز الذي لم يمضي على وفاته سوى عامين، وهو الذي نهض بفنزويلا اقتصاديا وسياسيا ووقف ندا للولايات المتحدة الامريكية.. وجاء خلفه مادورو ليستكمل المسيرة في كل شيء مضافا اليها التعهد ببناء مليون وحدة سكنية قبل نهاية عام ٢٠١٦ توزع للفقراء والمحتاجين، سلم منها فعليا اكثر من سبعمائة الف وحدة مطابقة للمواصفات العالمية، فلماذا خسر هذا الحزب وزعيمه أغلبيتهم البرلمانية وقد يخسر الحزب الرئاسة أيضاً في اقرب فرصة؟؟؟.
فنزويلا بلد نفطي؛ وحاله حال اغلب البلدان النفطية تعرض الى خسائر جسيمة نتيجة انخفاض اسعار النفط عالميا، مما أدى الى تفاقم الركود الاقتصادي الذي يعاني منه الاقتصاد الفنزويلي وتحوله الى أزمة ضيقت على المواطنين وأثقلت كاهل شريحة واسعة منهم، ومن الطبيعي ان ينعكس الاستياء على نتائج الانتخابات التي يبحث من خلالها الناخب عن الافضل او المنقذ الحقيقي او استبدال الافضل؛ ويمثله حاليا نيكولاس مادورو؛ بالبحث عمن هو افضل منه من الشخصيات التي سترشحها المعارضة في حال استكمل سيناريو خسارة الحزب الحاكم، او قد يدفع بها الناخب كوسيلة ضغط على الحاكم نفسه وحزبه قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في نظام مثل الرئاسي الاتحادي المطبق في فنزويلا.
فماذا فعل مادورو بعد اعلان النتائج الأولية؟؟ هل رفض النتائج وطعن بها بالتزوير او انه اثار أزمة دستورية ليعرقل الانتقال السلمي للسلطة داخل الجمعية الوطنية او عطل عملها او صرح ببيانات تخالف الحقيقة والواقع وتطعن بقادة المعارضة.. بالعكس؛ فالرجل الذي تفانى طوال عامين بخدمة بلده ومواطنيه اعترف سريعا بالهزيمة وقبل اعلان النتائج الأولية من قبل لجنة الانتخابات لانه على ما يبدو رجل صادق يؤمن بالديمقراطية وخيارات الناخب المتقلبة.
ان النظر الى تجارب الاخرين تلهمنا الكثير من العبر والدروس في تحديد خياراتنا المستقبلية عندما نقف امام صناديق الاقتراع، مثلما يجب ان تكون ملهمة ومفيدة للسياسيين والأحزاب والوزراء والحاكمين باعتبار ان الصدق هو اقرب الطرق الى قلوب الناخبين وان قول الحقيقة والاعتراف بها مهما كانت هو افضل من الهروب منها.
ان الازمة الاقتصادية التي تعصف بالعراق حاليا كشفت مدى ابتعاد المسؤولين عن المواطنين في تضارب التصريحات بين اعضاء الكابينة الوزارية الواحدة، مثلما كشفت قضية التواجد والاحتلال العسكري التركي مؤخرا غياب الحقيقة تماما في من يقول انها متواجدة منذ عام 1995 ومن يقول ان وزارة الدفاع ورئاسة مجلس الوزراء على علم واطلاع بالقوة المحتلة ومهماتها، وآخرين يقولون ان ذلك يجري بالتنسيق مع اقليم كردستان بعيدا عن الحكومة الاتحادية.
وبين هذا وذاك حجبت الحقيقة التي هي اليوم المخرج الوحيد للسياسيين من عديد ازمات الاقتصاد والخدمات والسياسة الخارجية. لقد اضاعوها في كل شيء، في السياسة بين الاحزاب؛ حينما انعدمت الثقة. وبين الحكومة وموظفيها؛ حينما غابت المصداقية. وبين المسؤول والمواطن؛ حينما انتهكت السيادة.
اضف تعليق