هنالك ادراك امريكي حالياً بصعوبة تنفيذ خطة تهجير سكان قطاع غزة او اعادة اعمارها وفقاً لرؤية استثمارية امريكية لانها ستؤثر على فرص نجاح الاتفاق وتطبيقه، مما قد يؤخر الانتقال إلى المرحلة الثالثة ومناقشة مستقبل القطاع، فضلاً عن ارتباط وتشابك المصالح والتنافس والصراع اقليمياً ودولياً في حال اصر ترامب...
طرحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة مثيرة للجدل بشأن مستقبل قطاع غزة خلال لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 شباط 2025. تضمنت الخطة مقترحاً لتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، مع سيطرة الولايات المتحدة على القطاع لاستثماره عقارياً.
اعتبرت هذه الخطة تحولاً امريكياً جديداً بشأن مستقبل قطاع غزة، اذ وصف ترامب هذا المقترح بأنه مشروع يجمع بين البعد العقاري والإنساني، يهدف إلى تحسين أوضاع سكان القطاع، رغم انه تراجع عن فكرة امتلاك الولايات المتحدة للقطاع، مقترحاً تقسيمه وإعادة توزيعه بين دول المنطقة، كما دعا الأردن ومصر إلى تخصيص أراضٍ لإعادة توطين سكان غزة، معرباً عن ثقته في موافقة قادة المنطقة على الخطة. كذلك، شدد على التزامه بتحرير المحتجزين الإسرائيليين وتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية، بما في ذلك إنهاء حكم حركة حماس.
لقي مقترح ترامب ترحيباً واسعاً من إسرائيل، لكنه قوبل برفض فلسطيني وعربي، ومعارضة من الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية، وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها. كما بدا أن تصريحات الرئيس الأمريكي قد تؤثر على مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، ولهذا سنتابع هذه التداعيات والمواقف ومستقبل الاتفاق واثر خطة ترامب عليه تباعاً:
اولاً/ الموقف الاسرائيلي من خطة ترامب
اعتبرت الأوساط السياسية الإسرائيلية، خاصة اليمين، أن خطة ترامب تعد بمثابة (وعد بلفور جديد)، حيث أكدت على (الحق المطلق) لليهود في أرض إسرائيل. كما اعتبرتها شخصيات سياسية نافذة بانها (البيان الأهم للشعب اليهودي منذ وعد بلفور عام 1917)، وأكدت الأحزاب الإسرائيلية الكبرى دعمها للمقترح، بما في ذلك أحزاب المعارضة التي رأت فيه دليلاً على التزام ترامب القوي تجاه إسرائيل. حظيت الخطة بتأييد مختلف الأحزاب اليهودية، بما في ذلك المعارضة، رغم بعض التحفظات. في المقابل، أيد اليمين المتطرف الفكرة باعتبارها تأكيداً لمطالبهم بترحيل الفلسطينيين، اذ أشاد اليمين الإسرائيلي المتطرف بالخطة، معتبراً أنها تدعم مشروع التهجير الذي طُرح منذ بداية الحرب على غزة. ووصف بيني غانتس المبادرة بأنها (تفكير إبداعي) يستحق الدراسة، بينما رأى أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أن نقل سكان القطاع إلى سيناء يمثل حلاً عادلاً بالتعاون مع مصر.
كما أبدى إيتمار بن غفير، زعيم حزب عظمة يهودية، استعداده للعودة إلى الحكومة في حال بدء تنفيذ الخطة، معتبراً أن الأمر الآن بيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. أما رئيس المعارضة يائير لابيد، فرأى أن المقترح يحتاج إلى مزيد من التوضيحات، معلنًا عن عزمه زيارة واشنطن لتقديم خطة بديلة بشأن مستقبل غزة.
أما بعض القادة العسكريين والمحللين، رأوا أن تنفيذ الخطة يواجه تعقيدات عسكرية وقانونية، حيث ستتطلب احتلال القطاع مجدداً، مما قد يكلف الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة، فالمعارضون للخطة ينظرون لها من منظور تنفيذي ويقولون أنها غير قابلة للتطبيق وتشكل مخاطر كبيرة على الجيش الإسرائيلي، واستئناف القتال والتعرض لخسائر إضافية في صفوف الجيش. وقد عبّر عن هذا الموقف الجنرال شلومو بندر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. كما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك الخطة بأنها خيالية، معتبراً أنها تهدف أساساً إلى الضغط على الدول العربية لدفعها نحو التطبيع مع إسرائيل مقابل التخلي عن فكرة التهجير، وهذا غير ممكن.
ثانيا/ المواقف الاقليمية والدولية من الخطة
رفضت الدول العربية خطة ترامب، وجاء هذا الرفض بشكل مباشر من مصر والأردن، اللتين ذكرهما ترامب كوجهتين محتملتين لتهجير سكان غزة. كما أعلنت السعودية والعراق والإمارات، عن موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين من القطاع. بل إن السعودية سارعت إلى إصدار بيان عقب تصريحات ترامب، شددت فيه على موقفها الثابت الداعي إلى إقامة دولة فلسطينية ومعارضة أي شكل من أشكال التهجير، مؤكدة بذلك ارتباط التطبيع بحل الدولتين.
وعلى الرغم من تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفضائية 14 الإسرائيلية بشأن احتمال إقامة دولة فلسطينية في السعودية، وهو التصريح الذي وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه (مزحة)، سارعت الدول العربية، ومن بينها الإمارات، إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة ترفض هذه التصريحات. وفي هذا السياق، أعلنت جامعة الدول العربية عن عقد قمة عربية طارئة في القاهرة يوم 27 فبراير/ شباط، لمناقشة سبل مواجهة خطة ترامب والتعامل مع تداعياتها.
في الوقت نفسه، نددت الدول الأوروبية بالمقترح باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، واعتبرته الأمم المتحدة بمثابة جريمة حرب. وفقاً لآراء خبراء في القانون الدولي، أدى إلى رفضها من قبل الدول الأوروبية وغيرها. هذا التوصيف القانوني للخطة سيزيد من تعقيد إمكانية قبول دول غير عربية لاستقبال السكان الفلسطينيين.
يواجه تنفيذ الخطة تحديات اقليمية كبيرة على أرض الواقع، إذ يتطلب السيطرة على قطاع غزة، وهو ما سيقابل بمقاومة مسلحة شديدة، خاصة بعد إعادة الفصائل الفلسطينية تنظيم صفوفها. فضلاً عن اعطاء ايران فرصة وشرعية لدعم هذه المقاومة واعادة بث الروح في فصائلها واذرعها هذا قد يعيد الصراع الى المربع الاول ويتسبب في خسائر كبيرة للجيش الإسرائيلي، إلى جانب افتقار العملية إلى الشرعية الدولية، لا سيما بعد التوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل، وبدء تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع وعودة النازحين.
ثالثا/ انعكاسات الخطة على اتفاق وقف إطلاق النار
جاء طرح ترامب بالتزامن مع المباحثات الجارية حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. أدى ذلك إلى تعقيد المفاوضات، حيث زاد نتنياهو من تشدده تجاه استحقاقات المرحلة الأولى، مما أدى إلى تعطيل تنفيذ بعض البنود، مثل تسليم الدفعة السادسة من المحتجزين الإسرائيليين. منذ لقاء نتنياهو وترامب وطرح الأخير خطته، بدأ نتنياهو أكثر ميلاً إلى تعطيل المرحلة الثانية من الاتفاق. تأجل إرسال الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة، ثم تم إرساله بتمثيل محدود، ما يُشير إلى نية إسرائيلية لفرض شروط جديدة في المرحلة الثانية، تشمل إنهاء حكم حماس ونزع سلاحها.
في 10 شباط، أعلنت حماس تعطيل تسليم الدفعة السادسة من المحتجزين بسبب (الخروقات الإسرائيلية)، ما زاد من تعقيد الموقف. تزامن ذلك مع تصريح لترامب، أمهل فيه حماس حتى ظهيرة 15 شباط لإطلاق سراح جميع المحتجزين دفعة واحدة، وإلا فإنه سيدعو نتنياهو لإنهاء الاتفاق وفتح باب الجحيم، مع ترك القرار النهائي لإسرائيل.
رابعاً/ انعكاسات خطة ترامب على مستقبل وقف اطلاق النار في غزة
تطرح عدة سيناريوهات محتملة على مصير الهدنة ووقف اطلاق النار لكنها ترتبط بشكل كبير بخطة ترامب لاعادة اعمار غزة وفقاً للرؤية الامريكية وكالاتي:
١- نجاح المرحلة الثانية بصعوبة: قد يضغط الوسطاء على الطرفين لاستكمال المرحلة الثانية، لكن ذلك لن يمنع إسرائيل من التشدد في المرحلة الثالثة، خاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار، وفتح معبر رفح وادخال المساعدات والمستلزمات المطلوبة لذلك، فضلاً عن تطبيق كامل للانسحاب من القطاع وعدم وجود اي ضمانات للعودة والتموضع والانتشار الاسرائيلي في القطاع.
٢- تعديل المرحلة الثالثة: قد تلجأ واشنطن إلى إعادة صياغة المرحلة الثالثة لإرضاء إسرائيل مع الحفاظ على وقف إطلاق النار، وطرح تعديلات في مقترح ترامب لاعادة اعمار القطاع والاكتفاء بضمانات لعدم عودة حماس او انهاء حكمها السياسي في القطاع من خلال مضاعفة سياسة الضغوط القصوى على داعمي حماس سواء كانت ايران او مصر او اي دولة اخرى. اذ تسعى إسرائيل إلى ربط أي جهود لإعادة إعمار غزة بشروط سياسية صارمة، أبرزها نزع سلاح حماس وإنهاء حكمها للقطاع.
٣- انهيار الاتفاق: إذا أصرّ نتنياهو على مطالبات جديدة أو نفّذ ترامب تهديده بتهجير ابناء القطاع، فقد يسقط الاتفاق كلياً، ما قد يؤدي إلى استئناف الحرب مرة اخرى. ومع استمرار الانقسام حول مصير غزة، لا يزال الاتفاق مهدداً بالانهيار، خاصة إذا أصرت إسرائيل على فرض شروطها في المرحلة الثانية او الثالثة، ومن المتوقع أن يمارس الوسطاء الدوليون ضغوطاً على الأطراف المعنية لاستكمال تنفيذ الاتفاق، لكن يبقى مصير المفاوضات غامضاً في ظل التصعيد السياسي والعسكري المتواصل، اذ أن خطة ترامب قد زادت من تعقيد المشهد في غزة، حيث منحت نتنياهو مبرراً لتشديد مواقفه، وأثارت مخاوف دولية من تصعيد جديد.
ان وقف اطلاق النار في غزة اصبح اكثر تعقيداً بعد خطة ترامب، وقد يدفع نتنياهو نحو تحويل الاتفاق من اتفاق المراحل الثلاث إلى اتفاق المرحلتين، بحيث تكون مباحثات المرحلة الثانية مباحثات لتبادل الأسرى ومستقبل غزة في الوقت نفسه، بحيث تنتهي المرحلة بتنفيذ الشروط السياسية الإسرائيلية المذكورة آنفاً، مما سيُعقِّد المباحثات وربما يُفشلها، وتعود الحرب. وحتى على فرض أن الطرفين اتفقا على التباحث حول المرحلة الثالثة خلال المرحلة الثانية، فستكون المباحثات للمرحلة الثالثة أكثر تعقيداً من سابقتها، فهي التي ستحدد مستقبل قطاع غزة، وستطرح إسرائيل خلال المباحثات للمرحلة الثالثة ربط إعمار قطاع غزة بشروطها السياسية المتمثلة في نزع سلاح قطاع غزة، وإنهاء حكم حماس.
تُدرِك إسرائيل أن تنفيذ خطة ترامب يكون من طريق منع إعادة إعمار قطاع غزة، إلا إذا نجحت الدول العربية والمجتمع الدولي بثني ترامب عن خطته، فعندها ستكون المباحثات متمحورة حول مستقبل حكم حماس في القطاع. وتتحدد صورة المرحلة الثالثة بالاتفاق حول المرحلة الثانية وشروطها السياسية وقدرة كل طرف على تحصيل مصالحه منها، لذلك فإنّ نجاح مباحثات المرحلة الثانية سيكشف أكثر مستقبل قطاع غزة ومستقبل خطة ترامب فيها.
رغم ذلك، لا تزال هناك فرص لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن ضمن مسار مليء بالعقبات السياسية والميدانية بسبب تصميم ترامب على تنفيذ خطته حول اعادة اعمار غزة وتهجير سكانها؛ لكن هنالك ادراك امريكي حالياً بصعوبة تنفيذ خطة تهجير سكان قطاع غزة او اعادة اعمارها وفقاً لرؤية استثمارية امريكية لانها ستؤثر على فرص نجاح الاتفاق وتطبيقه، مما قد يؤخر الانتقال إلى المرحلة الثالثة ومناقشة مستقبل القطاع، فضلاً عن ارتباط وتشابك المصالح والتنافس والصراع اقليمياً ودولياً في حال اصر ترامب على تنفيذ خطته الى جانب الهدنة.
اضف تعليق