يعتبر الكذب من السلوكيات السلبية التي تنمو وتترسخ في شخصية الطفل نتيجة لعدة أسباب معقدة؛ منها البيئة الأسرية القاسية التي قد يعايشها الطفل، والتأثيرات السلبية التي قد تأتي من المحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه. لا يقتصر تأثير الكذب على تدمير شخصية الطفل فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل علاقاته الاجتماعية...
من أكثر المشاكل التي يعاني منها الوالدان مشكلةُ الكذب؛ والكذِبُ مخالفةُ الكلامِ للواقع الذي يعيشه الطفلُ؛ والهدفُ منه إخفاءُ الحقيقة، أو التَّستر على خطأ قامَ به.
وخطرُ الكذبِ على الطفل يكمن في أنَّه وسيلة يتخذها بعضُ الأطفال لأجلِ تمريرِ أخطائِهم، وإذا استطاع الإفلاتَ من الخطأ في المرَّة الأولى؛ فبالإمكان تكرار وسيلة التَّستر على الأخطاء القادمة؛ وهذا يعطي دافعاً للطفلِ على تكرار الخطأ، وقد يصل إلى مرحلةِ الإدمان على الكذب، وهو ما سوف يكون في المستقبل باباً واسعاً للكثيرِ من المساوئ والذنوبِ والمعاصي.
فقد روي عن الإمامُ الباقرُ عليه السلام: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ جَعَلَ لِلشرِّ أقفالاً، وجَعَلَ مَفاتيحَ تِلكَ الأقفالِ الشَّرابَ؛ والكذبُ شَرٌّ مِن الشَّرابِ» (1).
إنَّ الأثار التي تتولد من الكذب في روح الإنسان أشدُّ بكثير من الأضرار التي يوجدها شرب الخمر! فالشَّخص المعتاد على الكذب أكثر خطراً من شارب الخمر، ولا يتورع من أي جريمة؛ فالكذب يدمِّر المناعة من كلِّ الأمراض الأخلاقية؛ مما يجعل وجودها ونموها سريعاً (2).
«أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله رَجُلٌ، فَقَال: إنِّي لَا أصلّي، وَأَنَا أَزْنِي وَأَكْذَب، فَمَن أيّ شَيْءٌ أَتُوب؟ قَال: (مِنْ الْكَذِبِ) فَاسْتَقْبَلَه فَعَهد أَنْ لَا يَكْذِبُ، فلمّا انْصَرَف وَأَرَاد الزِّنَا، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: إنْ قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله: هَل زَنَيْت بَعْدَ مَا عَاهَدْت؟ فَإِنْ قُلْت: لَا، كَذَبْت، وَإِنْ قَلَّتْ: نَعَم، يَضْرِبُنِي الحدَّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَوَانَى فِي الصَّلَاةِ، فَقَال: إن سَأَلَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله عَنْهَا فَإِنْ قُلْت: صَلَّيْت، كَذَبْت، وَإِنْ قَلَّتْ: لَا، يُعَاقِبَنِي، فَتَاب مِنْ الثَّلَاثَةِ» (3).
أسباب الكذب:
قبل أن نذكرَ أسبابَ الكذب لدى الطفل لابدَّ من التَّأكيدِ على حقيقةِ أنَّ الطفل يولد وهو أرضٌ خصبة للأفكار؛ سواءٌ الإيجابية أو السلبية، ولا يولد وهو يحمل الأفكارَ، وإن كانت أعمالُ الوالدين تؤثِّر على الطفل حتَّى قبلَ ولادته؛ ولكن بعض الروايات الشريفة تشير إلى حقيقةِ أنَّ الوالدين هما من يصنعُ الطفلَ عن طريق السلوك الذي يُتبع معه؛ ولذلك إذا وجدنا الطفلَ يكذب؛ فستكون الخطوة الأولى في العلاج الانتباه إلى البيئة التي يعيشُ فيها الطفلُ؛ ومن هنا يمكن ذكر أهم الأسباب التي وراء كذبِ الأطفال:
1. بعضُ الآباء والأمهات يدفعون أطفالهم إلى الكذبِ من خلالِ تلقينهِ الكلام الذي لا ينطبق مع الواقع؛ فمثلًا حينما تُطرَقُ الباب، ولا يريد الأبُ الخروج له؛ فيأمر ولدَهُ بأن يقول له: أنَّه غيرُ موجود؛ وهذه أوَّلُ خطوةٍ يضعها الطفلُ في طريقِ التلبسِ بالكذبِ، وبعد ذلك يكررُ هذا الفعل؛ والسببُ في ذلكَ إنَّ أسرَتَه ومثاله الأوَّل قد مارس هذا الفعل.
2. التَّشديدُ على الأطفال، والخوفُ من عقابِ الوالدين؛ فقد أشارت العديدُ من الروايات أنَّ أحدَ أسبابِ الكذب الرَّئيسية قسوةُ الآباء، والأمهات؛ وبالأخص ممارسةُ الضَّرب والتَّعذيب، ومنع الطفل وحرمانه من الأشياء التي يحبُّها.
نتيجة التشديد:
«يقول ديموند بيج: أعرف فتاةً شابة تأصَّل الكذب في نفسها؛ بحيث لا يقبل العلاج.
إنَّها عندما كانت في السن السَّابعة كانت تذهب كلَّ يوم إلى المدرسة، وكان عدد الطالبات التي يدرسن معها لا يتجاوز الـ 25.
كان لها مربية تأخذها إلى المدرسةِ كلَّ يوم، وتأتي بعد انتهاء الدَّرس لأخذها إلى البيت.
كانت هذه المربية مكلَّفة بمراقبةِ الطفلة في واجباتها ودراستها، وبصورة موجزة كانت مسئولة عن تربيتها بصورة تامَّة.
في تلك العصور كان الأسلوب المتداول- الذي تعده التربية الحديثة فاشلاً تماماً- يقضي بأن يصنَّف الطلاب كلّ يوم على حسب الدَّرجات التي حصلوا عليها في الامتحانات التَّحريرية، وهكذا كان يعيَّن الطالبُ الأوَّل، والثَّاني، والثَّالث.
كانت الطفلة بمجرد أن تخرج من الصَّف حاملة حقيبتها بيدها تُقَابل بالسؤال الرتيب للمربية التي كانت تقول: (ما هي مرتبتك في الصف)؟
فإن قالت: (الأولى) أو (الثَّانية) كان الأمر يجري على ما يرام.
ولكن صادف مرَّة أن كانت مرتبتها الثالثة لثلاث مرَّات على التَّوالي، وبالرغمِ من أن الحصول على المرتبة الثالثة بين 25 طالبة أمر مستحسن، فإنَّ المربية لم تكن تفهم ذلك.
لقد حاولت أن تهدئ على نفسها في المرة الأولى والثانية، ولكنها في المرَّة الثَّالثة لم تستطع أن تتمالكَ على نفسها، ففي الوقت الذي كانت الطفلة قد تملكتها الحيرة والذهول صاحت بوجهها: ألا ينتهي حصولك على المرتبة الثالثة؟ يجب أن تكوني الأولى غداً هل تسمعين؟ الأولى... يجب أن تصبحي الأولى! لقد أشغل هذا الأمر الصعب والجاد بالَ الطفلة طوال اليوم، وفي اليوم الثَّاني ... بذلت كلَّ عنايتها ودقتها في أداءِ واجباتِها، كانت العمليات الحسابية التي أجرتها صحيحة، وأجابت على الأسئلة بنجاح، وكانت نتائجها مرضية إلى قبيل الظهر عندما حان درس الإملاء، فقد وقعت لها أربعة أخطاء في امتحان الإملاء، وأخيراً حازت على المرتبة الثَّالثة في ذلك اليوم أيضاً... وكانت هذه هي الطامَّة الكبرى.
عندما رنَّ جرس الدرسِ الأخيرِ كانت المربيةُ واقفةً بباب الصف منتظرةً الطفلةَ، وما أن وقعت عينها عليها حتَّى صاحت: ما الخبر؟
كانت الطفلة مذهولة لا تستطيع بيان الحقيقة، فقالت: (صرت الأولى). وهكذا بدأت تكذب.
كثيرون هم الآباء والأمهات الذين يسلكون مثل هذا السلوك، وبهذه الصورة يتحملون مسؤولية انحراف الأطفال، وإصابتهم بداء الكذب» (4).
بعضُ الآباء والأمهات يظنون أنَّ تكليف أولادهم فوق طاقتهم هو من أركانِ التَّربية، ويتصورون أنَّ ذلك أمر ممدوح؛ لكنهم غافلونَ عن حقيقة أنَّ التَّكاليف الشَّديدة ليست مرغوباً فيها؛ كونها إذا لم يقم بها الأبناءُ ستؤدي إلى انزعاج الوالدين؛ ولذلك فإنَّهم يلجؤون إلى الكذب.
3. جذبُ الانتباه إليهِ؛ فالطفلُ يحرص على تحقيقِ مكانهِ لدى والديه، أو المجتمع الذي يعيشُ فيه؛ فيمارسُ الكذبَ في بعضِ الأحيان؛ لكي ينتزعَ ذلك الإعجاب؛ ولذا يعدُّ بعضُ الباحثين أنَّ الاهتمامَ بالطفلِ، وبيانَ مكانتهِ من أهم القضايا التي تقضي على هذا المرض الفتَّاك.
وبعبارةٍ أخرى؛ من أهدافِ الطفل تحقيقُ مكانة في قلوبِ الآخرين؛ وبشكلٍ خاص عند والديه؛ وعندما لا ينتبهُ الوالدان لهذا الطموح يسلك طريقاً منحرفاً؛ فيلجأُ إلى ارتكابِ عدَّة أفعال؛ ومنها الكذب؛ ولذلك ينبغي الحذرُ من إهمال وتحقير الطفل؛ لأنَّ هذه الأفعال تدمِّر نفس وروح الطفل، وتجعل شخصيتَه ضعيفةً تستجدي انتباهَ الآخرينَ بالكذب.
4. التَّقصير في تلبية احتياجات الطفل مع وجودِ القدرة يدفع للكذب؛ ويقصد باحتياجات الطِّفل الحلوى وبعضُ الأكلات التي يحبُّها، أو الألعاب التي يستأنسُ باللعبِ بها، أو القيام ببعض الهوايات التي يحب ممارستها.
5. من المحتمل أن تكونَ هناك أمراض أخرى تكون مصدراً للكذب؛ مثلُ الحقد والبغض للآخرين؛ فقد يكذبُ الطفلُ بسببِ بغضهِ لطفلٍ آخر؛ فالأمراضُ بعضُها له علاقةٌ بالبعضِ الآخر.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «لا يَكذِبُ الكاذِبُ إلَّا مِن مَهانَةِ نَفسِهِ علَيه» (5).
علاج الكذب:
إنَّ التهاونَ في علاجِ الكذب هو بمثابة زرعِ شجرةٍ من الخبائث في داخلِ نفسِ الطفل؛ ولنكن على علمٍ أننا مسؤولونَ عما نغرسه في نفسِ الطفل يوم القيامة ومحاسبونَ عليه؛ ومن هنا فأوَّل نقطة نضعها في الحسبان أنَّ النصوص الشَّريفة لا تفرِّق بين الكذب الأبيض والكذب الأسود، بل على العكس فإنَّها تضع حداً واضحاً جلياً أنَّه لا فرق بين كذب صغير وكبير، سواء كان الكلامُ على محمل الجد، أو كان مزاحاً؛ فمن كذَبَ في الصغير اجترأ على الكبير، ومن كذَبَ في المزاح كذَبَ في الجدِّ.
ومن أهم الوسائل التي نعالجُ بها الكذب لدى الأطفال:
1- علاجُ جذور وأسباب المشكلة؛ فما الفائدة من العلاجِ وبذور وجذور المشكلة موجودة؟
2- بيانُ ما للصدق من فضائل ومآثر؛ وأنَّه بابٌ لكلِّ خير، وبيانُ ما للكذب من رذائل وأضرار، وأنَّه بابٌ لكلِّ شر؛ وهذا بدورهِ يصنعُ القناعةَ بأهمية الصدقِ ودناءةِ الكَذِب.
قال الله عزَّ وجلَّ:(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) (6).
وقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: «يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَنِبَ مُوَاخَاةَ الْكَذَّابِ فَإِنَّهُ يَكْذِبُ حَتَّى يَجِيءَ بِالصِّدْقِ فَلَا يُصَدَّقُ» (7).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ: «قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام مَنْ كَثُرَ كَذِبُهُ ذَهَبَ بَهَاؤُهُ» (8).
وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام: «...إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام إِنَّمَا بَلَغَ مَا بَلَغَ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ» (9).
3- الابتعادُ عن الضَّرب في حالة كذِبِ الطفل، والرجوعُ إلى دراسة الأسباب التي أدَّت إلى الكذب، وبعد ذلك تلبيتها، وتنبيهُ الطفل إلى إمكانية الحصول عليها من دون سلوك طريقِ الكذِب؛ «قالَ بَعضُهُم: شَكَوتُ إلى أبِي الحَسَنِ موسى عليه السلام إبناً لي، فَقالَ: لا تَضرِبهُ، وَاهجُرهُ، ولا تُطِل» (10).
وعن الإمام علي عليه السلام: «قَدِّمِ العَدلَ عَلَى البَطشِ تَظفَر بِالمَحَبَّةِ، ولا تَستَعمِل الفِعلَ حَيثُ يَنجَعُ (11) القَولُ» (12).
وعنه عليه السلام: «لا أدبَ معَ غَضَب» (13).
ويمكن أن يستشكلَ شخص على أنه هناك روايات تشجِّع على الضرب؛ فكيف يمكن لنا الجمع بين هذهِ الروايات؟
يمكن الجمع بينَ الأمرينِ؛ بأنّ أسلوبَ الضرب - من حيث المبدأ - غيرُ نافع على المدى البعيد، ولكن لابدَّ منه في حالات استثنائية مهمة، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بأداء الفرائض الواجبة، والضرورة تقدَّر بقدرها؛ لذلك نجد الروايات تضع لنا حدود التأديب منها؛ عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أدّب صغارَ بيتِكَ بلسانِكَ على الصَّلاةِ والطهور، فإذا بلغوا عشرَ سنينَ فاضربْ، ولا تجاوز ثلاث» (14).
«وعن إسحاق بن عمّار: قُلتُ لِأَبي عَبدِالله عليه السلام: رُبَّما ضَرَبتُ الغُلامَ في بَعضِ ما يَحرُمُ!
فَقالَ: وكَم تَضرِبُهُ؟
فَقُلتُ: رُبَّما ضَرَبتُهُ مِئَةً.
فَقالَ: مِئَةً مِئَةً؟! فَأَعادَ ذلِكَ مَرَّتَينِ، ثُمَّ قالَ: حَدَّ الزِّنا؟! اِتَّقِ اللهَ!
فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ، فَكَم يَنبَغي لي أن أضرِبَهُ؟
فَقالَ: واحِداً.
فقلت: وَالله لَو عَلِمَ أنّي لا أضرِبُهُ إلّا واحِداً ما تَرَكَ لي شَيئا إلّا أفسَدَهُ!
فَقالَ: فَاثنَتَينِ.
فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ هذا هُوَ هَلاكي إذا. قالَ: فَلَم أزَل اُماكِسُهُ حَتّى بَلَغَ خَمسَةً، ثُمَ غَضِبَ فَقالَ: يا إسحاقُ، إن كُنتَ تَدري حَدَّ ما أجرَمَ فَأَقِمِ الحَدَّ فيهِ ولا تَعَدَّ حُدودَ الله» (15).
وعليهِ يجب الابتعاد - ما أمكن - عن ضرب الاَطفال؛ لأنه ثبت تربوياً أنَّه يُؤثر سلباً على شخصيتهم، ولا يجدي نفعاً، ولا مانعَ من اتباعهِ في حالات خاصة؛ ولكن بشرط أن يكون ضمن الحدود الشرعية.
ضوابط ضرب الأبناء:
أولاً: إنَّ الضرب هو آخر وسيلة يلجأ إليه الوالدان للعلاج، أمَّا إذا كان ارتداع الطفل عن السلوك الخاطئ ممكناً بالنصيحة فلا يجوز اعتماد الضرب.
ثانياً: أن يكون الضرب خفيفاً بالمستوى الذي لا يترك أثراً على جسد الطفل، لا احمراراً، ولا اخضراراً، ولا اسوداداً، فضلاً عن أن يؤدي إلى نقصٍ أو كسرٍ أو خلل عضوي أو تشوّه جسدي أو نفسي.
وأمَّا الذي يترك أثراً على الجسد؛ فقد قُرِّر عليه الديَّة.
ثالثاً: أن ينطلق بدافع التربية والتأديب لا بدافع الانتقام والتشفِّي، وهذا القيد في غاية الأهمية.
رابعاً: أن يكون الضرب على أمر مقدور يمكن للطفل فعله أو تركه، فلا يصحُّ ضربه على ما هو خارج عن قدرته وطاقته، فلو لم يتمكَّن الطفل من فهم الدرس على الرغم من بذل الجهد والوقت الكافيين لا تصحُّ مؤاخذته؛ لأن التكليف بما لا يطاق مرفوع عن البالغ فكيف بالصغير الذي رفع القلم عنه؟
4- إذا كذِبَ الطفلُ فمن الخطأ أن تكررَ عليهِ لفظَ (كذَّاب)؛ فهذا بدوره قد يجعله يكرر الفعل بسبب رسوخ هذه الصفة في ذهنه؛ فالتَّفكيرُ في المعصية أو تكرار صفة العاصي والمعصية التي تلبَّس بها من شأنهِ أن يدفعَ صاحبَه إلى سلوكِها أكثر من مرَّة.
5- جدد ثقتك بطفلك حتَّى لو كذب؛ لأن تجديدَ الثقة بالنفسِ من أهم المزايا التي تدفع بالطفلِ إلى سلوكِ طريقِ الصّدق.
أمَّا إننا نحكم بانعدام الصدق منذ أوّل كذبة؛ فهذا من شأنهِ أن يسلكَ طريقَ الكذِب، وحاله حالَ من ارتكب ذنباً فصببنا ماءَ اليأس على يديهِ؛ فيفقد الأملَ بالتغيير.
6- مدحُ الصِّفات الطيِّبة الموجودة في الطفلِ في حالة ارتكابه الكذب، وأنَّه طيِّب ونظيفٌ ومحبوبٌ، وأنَّ الكذِبَ لا يناسب شخصيتَه، وهذه طريقة سلكها العظماءُ في تغيير الكثير ممن كان يسلك طريقاً منحرفاً.
في آخر المطاف، يُعتبر الكذب من السلوكيات السلبية التي تنمو وتترسخ في شخصية الطفل نتيجة لعدة أسباب معقدة؛ من أبرز هذه الأسباب هي البيئة الأسرية القاسية التي قد يعايشها الطفل، وكذلك التأثيرات السلبية التي قد تأتي من المحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه. لا يقتصر تأثير الكذب على تدمير شخصية الطفل فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل علاقاته الاجتماعية في المستقبل، حيث يصبح أكثر عرضة لفقدان الثقة من الآخرين، ولمكافحة هذه الظاهرة، يجب على الوالدين التركيز على توجيه أطفالهم نحو الصدق وتعليمهم قيم الأمانة. كما يجب تقديم أساليب تربوية بديلة تقوم على الحب والرعاية والاحترام، بدلاً من اللجوء إلى أساليب العقاب القاسية.
إنَّ غرس مبدأ الصدق في نفس الطفل، وتوضيح العواقب السلبية المترتبة على الكذب، يعدَّان من العوامل الأساسية التي تساهم بشكل كبير في بناء شخصية الطفل بشكل سليم ومتوازن، وهذا الأمر يعزز من قدرة الطفل على اتخاذ القرارات الصائبة والمشاركة بشكل إيجابي وفاعل في المجتمع مستقبلاً، كما أنَّه يساعده على بناء علاقات صحية قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، مما ينعكس بشكل إيجابي على تطور مهاراته الاجتماعية والنَّفسية.
اضف تعليق