عندما بدأت الولايات المتحدة الامريكية بتشكيل تحالفها الدولي لاستهداف تنظيم (الدولة الإسلامية/ داعش) في العراق وسوريا بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، كان سلاح الجو العراقي قد سبق القوات المشتركة بالمباشرة بطلعاته الجوية لضرب معاقل التنظيم الذي استولى على مساحات كبيرة من العراق، على الرغم من ضعف إمكاناته الجوية الحديثة وافتقاره الى الدقة أحيانا، إذا ما قورن بطلعات الطيران الغربي (الأمريكي والفرنسي والبريطاني...الخ)، وقد رافقت الطلعات الامريكية (كونها الأعلى نسبة مقارنة بالمساهمات الغربية) الكثير من المخاوف والاعتراضات، وحتى التشكيك، من قبل المعارضين لتدخل الولايات المتحدة الامريكية في الشأن الداخلي العراقي، إضافة الى ربط احداث العراق بما يحدث في سوريا من ازمة.
ومن بين الأمور التي استوجبت غضب المعترضين على تدخل الولايات المتحدة الامريكية خبر غريب مفاده ان الطائرات الامريكية تلقي مساعدات من الجو الى مقاتلي داعش في العراق ومن قبل في سوريا.
في 22/10 اكدت وزارة الدفاع الامريكية على لسان الكولونيل (ستيف وارين) المتحدث باسم البنتاغون "أن أحد الطرود (العسكرية) ضل طريقه وجرى تدميره، ومنذ ذلك الحين أعدنا تتبع ما حدث وتبين لنا أن طردا آخر ضل طريقه وربما سقط في أياد معادية (داعش)"، وكانت وجهة هذه المساعدات الى المقاتلين الاكراد عندما كانت قضية القتال على (كوباني) في قمة اثارتها
27/12 رصدت كاميرات شخصية لمقاتلين عراقيين طائرات مجهولة (تبدو أمريكية الصنع) اثناء القائها لمساعدات (وصفت على انها عسكرية) الى مناطق تخضع لسيطرة داعش اثناء محاولة القوات الأمنية العراقية المدعومة بالمتطوعين الشيعة (قوات الحشد الشعبي) والعشائر السنية، انتزاع هذه المناطق من التنظيم، ما اثار الكثير من ردود الأفعال السلبية من شخصيات رسمية وشبه رسمية داخل العراق، فقد ذكر النائب العراقي عن كتلة صادقون أن "هناك معلومات مؤكدة لدينا بقيام الطائرات الأمريكية برمي الأسلحة والعتاد لعصابات داعش داخل أوكارهم في عموم البلاد إلى جانب تنفيذها ضربات في أماكن خالية من الدواعش الهدف منها إعاقة تقدم المتطوعين وفصائل المقاومة"، فيما اتهم رئيس كتلة بدر البرلمانية، قاسم الاعرجي، الولايات المتحدة بالقول إن "امريكا تتبع سياسة اللاغالب واللا مغلوب في حرب العراق ضد الإرهاب"، وهذا المعنى اصبح واضحاً بعد ان كُشفت هذه المخططات التي تكلمنا بها كثيراً في وقتٍ سابق بإن امريكا تحاول ان تطيل امد المعركة في العراق، وان حادثة القاء الأسلحة لداعش عن طريق المظلات تكررت في المناطق القريبة من بلد وبيجي والمقدادية وقد رأينا ذلك بشكل واضح"، بدورها نفت السفارة الاميركية في بغداد، الانباء التي تداولتها بعض وسائل الاعلام بشأن القاء احدى الطائرات الأمريكية مساعدات عسكرية لتنظيم "داعش" في منطقة الخضيرة قرب قضاء بلد شمال غرب بغداد، واصفة اياها بغير الدقيقة، وقالت السفارة في بيان، إنه "لم يكن هناك إلقاء أي مواد من الجو للولايات المتحدة الاميركية في أو حول المجال الجوي لقضاء بلد"، مشيرة الى أن "هذه التقارير الإعلامية خاطئة".
الغريب ان القوات الامريكية لم تكن الوحيدة التي القت (عن طريق الخطأ!) المساعدات لداعش، وانما سبقها، أيضا، سلاح الجو العراقي، في بداية شهر أكتوبر الماضي، بإلقاء مساعدات جوية سقطت بيد مقاتلي داعش، بدلا من الجيش العراقي الذي كان محاصرا في منطقة الصقلاوية ونقلت شبكة (إن بي سي) المعلومات هذه عن عضو لجنة الأمن والدفاع العراقية، النائب (حكيم الزاملي)، الذي لفت إلى أن "القوات العراقية في هذه المنطقة التي يحاصرها داعش كانت في حاجة ماسة لتلك المساعدات، إلا أن خطأ في الخطة العسكرية هناك، ونقص الخبرة لدى من يقود طائرات المساعدات، كونهم مبتدئين، أدت إلى تلقي داعش كمية جيدة من الماء والطعام بدلاً من الجيش.
طبعا الفرضيات والسيناريوهات التي أثيرت حول هذا الموضوع الذي دعم رأي المعارضين لتدخل القوات الامريكية، مختلفة وكثيرة، بعضها يصب في صالح الولايات المتحدة الامريكية، والبعض الاخر لا يصب في صالحها، وفي حال تم استبعاد جميع الفرضيات الأخرى التي ذكرها محللون ومراقبون، قد ينصب التركيز على امرين يمكن ان تختفي ورائهما احجية الخطأ في تعزيز مقاومة داعش بالمساعدات الامريكية المرسلة إليهم عن طريق الجو.
اولاً: في حال صحت الفرضيات التي اشارت الى سياسية (لا غالب ولا مغلوب) التي تتبعها الولايات المتحدة الامريكية مع العراق، وذلك بعنوان الخطأ او عرقلة شحنات الأسلحة التي تعاقد العراق على استلامها من الولايات المتحدة وغيرها، فهذا الامر قد يعيد عقارب الزمن الى الوراء قليلا، عندما أكد مسؤولون كبار في الولايات المتحدة، ان امد الحرب ضد داعش طويلة، وقد تحدث البيت الأبيض عن تقديرات زمنية تصل الى عقد من الزمن (واقل تقدير 3 سنوات)، وهو امر خالفته الانتصارات العسكرية السريعة التي حققتها القوات العراقية.
لكن لماذا تريد الولايات لمتحدة الامريكية إطالة عمر الازمة العراقية خلال مكافحتها لتنظيم داعش؟
ربما يكون له علاقة بقضايا إقليمية مهمة وحيوية، سيما وان الولايات المتحدة الأمريكية وخلال توالي الرئيس باراك أوباما للرئاسة في أمريكا، على ما يبدو، قد اختزلت جميع قضاياها في الشرق الأوسط بالتركيز على إيران، بعد ان اتبعت لهجة تصالحية مع الإصلاحيين، للضغط على أصحاب القرار (المحافظين) لكسب انتصار او اتفاق تاريخي معهم، ويشير (جوناثان ستيفنسون)، الذي عمل في الفترة من 2011 الى 2013 مديرا للشؤون السياسية والعسكرية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بمجلس الامن القومي، ان "الايمان بالصبر الاستراتيجي ينبع من الرئيس باراك أوباما نفسه، ان قيود الميزانية وآمال البيت الابيض بشأن حدوث انفراجه -وربما اتفاق نووي محتمل- مع طهران تذكي الاسلوب البطيء"، اذن فتأخير حسم المعركة ضد داعش قد تكون له حسابات استراتيجية بعيدة المدى (بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية)، لتحقيق انتصارات أخرى في امكان أخرى غير العراق.
ثانيا: ويرى البعض الاخر، انه قد يأتي في إطار دعائي (البروباغاندا)، التي تهدف الى كسب جولة او تسجيل نقطة لصالحها اثناء النزال، ربما تقف خلفها أطراف إقليمية عارضت المشروع الأمريكي في المنطقة منذ البداية، اذ ان الأجواء العراقية مفتوحة على الجميع، وليس هناك قوة رادعة قد يخشى المتسللون نيرانها، وقد ضربت قبل اشهر الطائرات السورية تجمعات لداعش داخل الحدود العراقية المجاورة لسوريا، كما تدخلت تركيا لأكثر من مرة بطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية لضرب المتمردين الاكراد، فيما شاركت طائرات إيرانية بطلعات جوية لضرب مواقع تنظيم داعش داخل العراق امام انظار الولايات المتحدة الامريكية، من دون ان تحرك ساكنا، وعلى الرغم من موقف ايران الواضح من التحالف الدولي.
اضف تعليق