الحدث السياسي المزلزل يسير بوتيرة سريعة في منطقتنا العربية، والإقليمية رافعا رايات التغيير وحاملا نُذرَ الحرب والتدمير، وقائد هذا الزلزال بإمتياز هو البيت الأبيض الذي يبدو أنه الرابح الأول من جملة الانهيارات العسكرية التي حدثت في غزة، ولبنان، وسوريا، وكان هو الفاعل الأكبر لها على مستوى التخطيط والتنفيذ...
الحدث السياسي المزلزل يسير بوتيرة سريعة في منطقتنا العربية، والإقليمية رافعا رايات التغيير وحاملا نُذرَ الحرب والتدمير، وقائد هذا الزلزال بإمتياز هو البيت الأبيض الذي يبدو أنه الرابح الأول من جملة الانهيارات العسكرية التي حدثت في غزة، ولبنان، وسوريا، وكان هو الفاعل الأكبر لها على مستوى التخطيط والتنفيذ، وبحسب منطق الأحداث فإن أمريكا ماضيةٌ في تعظيم انتصاراتها، ومكاسبها في مناطق الصراع الأكثر اشتعالا في المنطقة، ومنها بلدنا العراق.
وبحسب السياقات التاريخية المشابهة لما حدث حولنا وما يمكن أن يحدث داخلنا فإن الأسلوب الأفضل في التصدي لما نحن بصدده من مخاطر هو أسلوب الإنحناء للعاصفة لا الإصرار على مجابهتها وتخيّل تحطيمها خلافا لمعطيات الواقع، وموازين القوى...
لقد خاض العراق تجربة سابقة في معادلة الصراع غير المتكافئ مع الأمريكيين وما تزال نتائجها المرّة تنعكس عليه تأخرا حادًا في مجالات الحياة كافة، وكان بالإمكان أن يتجنب العراقيون ما وقعوا فيه من بؤس، وقهر، وفوضى لو أن أهل الحل والعقد فيهم تمتعوا بالحدّ الأدنى من الحكمة، والدراية، والتعقل، ومنحوا قراراتهم الارتجالية فرصة النظر للعواقب...
بالتأكيد سيوجد من يعترض وبقوة على الطرح السابق، ويصف متبنيه بالإرجاف، والإنهزامية، وما إلى ذلك من تهم جاهزة لا تبالي بشيء سوى إسكات الصوت الذي لا يتناسب مع إيقاع طبولهم، فهؤلاء بطبيعتهم ينفرون من الاستماع للآخر المختلف، ويستشعرون الضيق من الرأي الذي يغاير كل أو بعض متبنياتهم، ويمكن تصنيفهم إلى صنفين رئيسيين، الأول يغلب عليه الطابع العاطفي المنزّه عن الغرض والمصلحة، ومن ثم فإن هناك أملا دائما في أن يُصغي هؤلاء إلى الطرف الآخر، ويستجيبون إلى الطرح المغاير، لاسيما بعد مضي وقت كاف على هيجان العواطف، وانكشاف العواقب...
أما الصنف الثاني، فهم المعبّؤون آيدلوجيا والمرتبطون وجوديا بمرجعيات عابرة لحدودهم الجغرافية، وهم في الحالة العراقية يتوزعون على معظم التكتلات العسكرية، والسياسية، والثقافية المدينة بالولاء لإيران التي يستلهمون منها مواقف العناد، والمكابرة، والاستفزاز لخطط أمريكا ومصالحها في المنطقة، وهم في هذا المشهد لا يختلفون في كثير أو قليل عن صنّاع السياسة الخارجية الإيرانية، فضلا عن رموز نخبتها الذين يرددون في كل ظهور إعلامي لهم قدرتهم على تركيع أمريكا بما يمتلكونه من صواريخ فرط صوتية وكهرومغناطيسية...الخ.
إن من حق الإيرانيين ومن دون شك أن يفكروا بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم، وأن يبنوا خططهم الآنية، والاستراتيجية في التعامل مع الأطراف الخارجية وفقا لتصوراتهم الحاضرة والمستقبلية التي تنبعث من مركز قرارهم الوطني، ولكن على الأساس نفسه يجب على العراقيين أن يفعلوا الشيء ذاته، فيراعوا وجود المصلحة من عدمها في طبيعة العلاقة التي تجمعهم بالآخرين، وما يمكن أن يُبقوا عليه من أرباح، وما يُمكن أن يقللوه من خسائر! والطريق إلى إحراز هذه الأهداف المشروعة يتأتى من خلال الاستماع والإصغاء للآراء الأخرى لاسيما آراء ذوي الخبرة العسكرية، فرأي العسكري الحاذق في مسألة الحرب والسلم هنا يشبه إلى حدّ التطابق رأي الطبيب الحاذق في مسألة الصحة والمرض.
وبحسب المتابعة لآراء المتخصصين في الشؤون العسكرية، والحربية فإن المواجهة في حال حصولها لا قدّر الله بين أمريكا وحلفائها من جهة، والعراق وإيران من جهة أخرى تبدو عبر خرائط المعركة الجغرافية -في معظم حالاتها- مجابهة حربية جوية بين الطائرات الأمريكية والصواريخ الإيرانية، لكن (الأرض) العراقية هي التي ستكون ميدان المعركة الحقيقة للحرب المدمّرة المتصوّرة...
أما رفض الاستماع والاصغاء إلى الرأي العسكري السليم رضوخا إلى إملاءات الصوت الواحد فسوف يُفضي بنا جميعا إلى معادلة صفرية تضعنا بين خيارين لا ثالث لهما: إما الحصول على كل شيء وإما خسران كل شيء...
ومن هنا وجب إمعان النظر في طبيعة الظروف الاستثنائية التي تمر بها منطقتنا المثخنة بالفتن والصراعات، وما يمكن أن تُفرزه من أخطار جسيمة توجب حساب كلف المغامرات جيدا قبل الإقدام عليها انسياقا وراء الشعارات التي تتغذى على الرغبة، والوهم، وتنتهي عاجلا أو آجلا إلى هاوية ماحقة!
وختاما لا بد من القول إننا في أمس الحاجة إلى اكتساب مهارة القدرة على قبول الحقيقة وإن كانت مؤلمة مادامت تمثّل حائط صد يحول دون التهلكة والضياع. إن علينا الخروج من أسر مخيلتنا النرجسية، والركون لصوت الناصح الأمين، والاتعاظ من مصائر الساقطين في فخاخ المكابرة، وغرور الأنا.
اضف تعليق