آراء وافكار - مقالات الكتاب

مي آرو

منذ سنوات، تسمعونه مثلي صباحا ومساء وربما ليلا أيضا، متجولا بين الأحياء، مناديا على بضاعة لم تكن معروفة في حياتنا السابقة: (مي آرو)، وبسماع هذه العبارة أتساءل مع نفسي: كم هي مبالغ المياه المصنعة التي نستهلكها، وحجم الأضرار البيئية التي تخلفها العلب البلاستيكية...

منذ سنوات، تسمعونه مثلي صباحا ومساء وربما ليلا أيضا، متجولا بين الأحياء، مناديا على بضاعة لم تكن معروفة في حياتنا السابقة: (مي آرو)، وبسماع هذه العبارة أتساءل مع نفسي: كم هي مبالغ المياه المصنعة التي نستهلكها، وحجم الأضرار البيئية التي تخلفها العلب البلاستيكية، بخاصة وانها من المواد صعبة التحلل في التربة. 

لذلك شغل موضوع المخلفات البلاستيكية اهتمام المراكز البحثية لإيجاد الطرق التي تسّرع تحللها، وأسأل أيضا عن عدد أجهزة الفلاتر التي نستوردها لتنقية المياه لكي يصلح للشرب والطبخ وما يقابلها من أموال، وكمية المياه المهدورة بسبب هذه الفلاتر؟، وهي كما تعرفون أضعاف كمية المياه النقية، فضلا عن قطع الغيار التي تحتاجها هذه الأجهزة لتصليح عطلاتها، وهي من المستوردات أيضا، ثمة أشياء تصنف على النواعم، لكنها تستنزف أموالا طائلة من ميزانية الدولة، ومن الدخل المالي للأسرة، فهل فكرنا بالتكاليف المترتبة على ذلك؟

صرنا نتحسر على دول لم تكن يوما تقارن ببلادنا، يشرب مواطنوها من ماء الإسالة، وثقتهم مطلقة بأنه ماء صالح للشرب، وازاء ذلك كل منا يرمي بالمسؤولية على الطرف الآخر، المواطنون يلومون دوائر الماء وبدورها تلقي باللائمة على المواطنين الذين لا يفكرون سوى بمصالحهم الشخصية ويخربون الأنابيب الرئيسة بسحبهم العشوائي للماء، وهذا ما يحدث واقعا، ولكن ماذا يفعل مواطن لا يصل الماء الى مسكنه بيسر وسهولة وقوة، وكيف لا يفعل ذلك من لا يخشى عقوبة الجهات الرقابية، تذكرون جيدا، ما كان بمقدور أحد سحب الماء الى داره دون اجازة من دوائر الماء التي تقوم ملاكاتها بعملية السحب وليس المواطن، وكان المُستهلك منها محسوبا عبر أجهزة قياس لقاء مبالغ مالية، ما يوفر أموالا لخزينة الدولة يمكن من خلالها صيانة المشاريع وتحديثها .

يبدو لي ان دوائر الماء فقدت السيطرة، ولم تعد بقادرة على مواجهة تحدي التخريب وايصال مياه نقية للمواطنين، وربما تستغرق عقودا لإعادة ثقة المواطن بمنتوجها بحيث يستطيع الشرب من أي حنفية موجودة في الشارع دون تردد، كما يحصل لدى دول الجوار ولا أقول الدول المتقدمة، وازاء يأس المواطنين من الحصول على مياه نقية، صاروا يطالبون بإيصالها كيف كان حالها، فمعاناتهم قاسية جدا في المدن والقرى على حد سواء، وشكاواهم تتردد على وسائل الاعلام بكثرة .

ليس بالدعوات والمناشدات نجعل المواطن يرشد استهلاكه من الماء، هذه لوحدها لا تكفي على الاطلاق، بل لابد من اجراءات صارمة وحاسمة لجعله يلتزم بجميع ما تراه دوائر الماء مناسبا لتنظيم العملية والحصول على جودة عالية بمنتوجها ويحافظ على بناها التحتية، بالمقابل يجب أن يكون عملها مخلصا وبعيدا عن الأمزجة والذرائع .

أدرك تماما ان أسباب الخلل لا تقتصر على دوائر الماء والمواطنين فحسب، بل تمتد لجهات أخرى كالموارد المائية والكهرباء والبلديات وغيرها، ربما يسألني أحدكم: كيف ذلك ؟، والاجابة: استمعت قبل أشهر لوزير الموارد المائية وهو يلوم المواطنين على هدر الماء لقيامهم برش الشوارع والأزقة، بالتأكيد هذا هدر، لكن كيف يتخلص المواطن من الأتربة التي تخلفها شوارع غير معبدة، وكيف تتصرف دائرة الماء مع انقطاعات متواصلة للكهرباء، وتذبذب تزويدها بوقود تشغيل مولداتها، وماذا يفعل المواطن عندما تقطّع آليات مشاريع المجاري أنابيب مياه مسكنه، وتترك اصلاحها على عاتقه، ليظل أياما عدة بلا ماء، وعندما تتحكم الأمزجة بفواتير الماء، وجميعها تخمينية وليس وفقا لمقياس لتتباين بين هذا المسكن وذاك بحسب مستوى تعاطف الجباة، لذلك يُراد تأسيس جديد وتنظيم محكم لهذه المنظومة الهشة .

أقول: ان الدول التي تريد لنفسها الارتقاء عليها الانطلاق من الصناعات البسيطة، وليس المعقدة، كيف نحقق اكتفاء ذاتيا من سلع نأسف لاستيرادها لكون بلادنا مؤهلة لإنتاجها، لقد قهرتني علبة الجبن الألماني التي وجدتها أمامي أثناء تناول فطوري .

اضف تعليق