لن تضحي سياسة الرئيس ترامب بدور الدولار النفطي كعملة دفع متفوقة ، لتُدخل البترو دولار بمأزق بجعله عملة هابطة يفوق العرض منه على الطلب عليه، في وقت تسعى الولايات المتحدة وسياستها الخارجية الجديدة بجعل الدولار العملة الاقوى في العالم، ذلك في اطار هيمنتها على الاقتصاد العالمي...
ان سياسة الاحتواء الصلبة وفرض سياسات التوازن الامريكية بالقوة سواء في العالم عموماً او الشرق الاوسط خصوصاً، لا تعني عدم توافر فرص للتفاهم والتوافق وإشاعة السلام ، كما نرى أمام العراق خياران يمثلان الحد الادنى في التعاطي مع الترامبية الجديدةNew Trumpism اولهما :
اذ تبقى اتفاقية الاطار الاستراتيجي SFA الموقعة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية في العام 2008 صمام الأمان الذي يبعد العراق من سياسات الاحتواء الامريكية الجديدة الخطرة والصلبة ، ذلك لتوافر القدرة باحلال المصالح المشتركة والوسائل الدبلوماسية المتاحة لتوفير الاستقرار و الاستقرار الاقتصادي للعراق ، كما ان المحاصصة السياسية وتوافقاتها (على مساوئها) هي اداة لامتصاص موجات سياسة الاحتواء الصلبة Solid containment policy للترامبية الجديدة ولاظهار اكثر من زاوية تجعل العراق في حالة موحدة ازاء مخاطر السياسات الخارجية الامريكية الجديدة .
ففي مقال مهم تناوله المفكر السياسي ابراهيم العبادي مختتما مقاله الذي جاء بعنوان: موقع العراق في سياسة ادارة ترامب الجديدة !قائلآ ((ان …سياسة السلام من خلال القوة التي سيقودها امثال ماركو روبيو وزير الخارجية وبيت هسغيث وزير الدفاع ومايك والتز مستشار الامن القومي، ستكون سياسة خشنة ومتصلبة رغم القناعة بان ترامب التاجر يسعى الى صفقات، ويميل الى التسويات، غير ان الصفقات لن تجري من طرف واحد ،الطرف الثاني مؤثر في صياغة بنودها، صفقات تعتمد على ما يجيده الطرف الثاني من مهارات وما يقدم من رسائل وقناعات، تفهم المتغيرات وتدفع عن نفسها المخاطر والتهديدات ،الواقع ان العراق مطالب بان يستعد ويفكر ويخطط للايام والاشهر القادمة ليرسم ستراتيجته ويحدد خياراته، وهي محصورة في خيارين، خيار الاعتدال والعقلانية والمصلحة الوطنية ،وخيار المشاعر والشعارات والثأر والمبادئ، لنلاحظ ان ايران الاسلامية صاحبة سياسة المثال بدأت تميل لسياسة الواقع وهي تجرب الان سياسة الخطوة خطوة مع ترامب لبناء الثقة، بامل تجاوز العاصفة وعبور المنعطف الصعب ،وعلى الاخرين التحديق والنظر والتعلم )).
اما الخيار الثاني: فمن طرفنا هو خيار اسعار النفط العالمية والحفاظ على موارد البلاد النفطية في الاستدامة المالية فيمكن القول، ان هناك ثلاثة قيود نجدها تمنع تدهور اسعار النفط الخام في السوق العالمية :
فالقيد الاول: حيث مازالت الولايات المتحدة الامريكية هي اكبر منتج للنفط في العالم وقد وظفت شركات النفط الامريكية الكبرى إستثمارات عالية تنسجم مع سعر برميل نفط لايقل عن 70 دولار للبرميل، ذلك لتغطية تكاليف انتاج النفط الصخري عند نقطة التعادل.
والقيد الثاني: فلن تضحي سياسة الرئيس ترامب بدور الدولار النفطي كعملة دفع متفوقة ، لتُدخل البترو دولار بمأزق بجعله عملة هابطة يفوق العرض منه على الطلب عليه، في وقت تسعى الولايات المتحدة وسياستها الخارجية الجديدة بجعل الدولار العملة الاقوى في العالم، ذلك في اطار هيمنتها على الاقتصاد العالمي .
لذا تحرص الادارة الاميركية الجديدة ان يطرح الدولار نفسه من جديد وعلى نحو يتفوق الطلب على المعروض منه بشكل جاذب ودائم.
لذا فان ضعف عوائد الدولار الامريكي النفطي لبلدان الاوبك عموما والعراق خصوصا او تدهورها لايعنى سوى اضعاف في العملة النفطية العالمية ومرتكز هيمنتها الدولار النفطي وهو امر تسعى الترامبية الجديدة الى استعادة قوته. وهذا ما دافع عنه ترامب في محاضرة له في النادي الاقتصادي الامريكي في نيويورك مؤخراً.
اما القيد الثالث: فان تدهور اسعار النفط سيسمح للصين وهي اكبر مستورد للنفط في العالم بالحصول على موارد طاقة رخيصة، وهو امر لا ينسجم والتنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة في الهيمنة على مصادر النمو والقوة الاقتصادية في العالم.
في ضوء ما تقدم، نجد ان القيود الثلاثة في اعلاه هي من سيمنع انهيار دورة الاصول النفطية فيما لو اوشكت ان تحدث .
آخذين بالاعتبار عدم الافراط في التفائل، ما يقتضي من السياستين المالية والنقدية في اطار سياسات وقائية تخفف من اثر العوامل الدولية على الاستقرار والنمو الاقتصادي في بلادنا.
وهكذا ، فان التوافق الروسي الامريكي والتوافق الامريكي الايراني سيفرض واقعا جديدا لإحلال الاقتصاد السياسي للسلام في الشرق الأوسط، اذ ان الحفاظ على التوازنات السياسية والاقتصادية الدولية والاقليمية لا تحتمل هدرها على الاطلاق من جانب الفاعلين الدوليين والاقليميين كافة.
واخيرا ، وبهذا الشأن يحدد المفكر السياسي العراقي حسين العادلي في مقال مهم عنوانه: السلام من خلال القوة Peace through strength*
قائلاً((لكل دورة تاريخ قوتها ومركزها واتجاهاتها، والدول التي تعيش خارج حركة التاريخ، أو التي تعجز عن فهم اتجاهاته، أو الفوضوية والنرجسية، ستخسر.
• القوة تصنع التاريخ، عبر التاريخ، على اختلاف مصاديق القوة. ولعل هذا الشعار "السلام من خلال القوة" من أصدق تعابير فرض إرادة المنتصر، وقد مارسته جميع الحضارات تاريخياً وما زالت، والإختلاف بينها بفرض الإرادة في الدرجة وليس في النوع.
• ضمير الدول في مصالحها، والدول تنتظر أخطاء بعضها،.. فعلينا تصوّر صيغ السلام/الحلول/التسويات، على أساس من ضمير ومصالح الدول (أياً كانت الدولة)، وليس على أساس أيديولوجيات الدول، أو على وفق مبادئ الحق والعدل والسلام (النظري)…..)).
اضف تعليق