فاز دونالد ترامب بأغلبية مريحة، كما استحوذ الحزب الجمهوري على أغلبية الكونغرس وهي حالة قلما تحدث في الأنظمة الليبرالية، هناك ثوابت ومتغيرات في اليات وأساليب ادارة السياسات العامة ما بين الحزبين الديمقراطي الجمهوري، فيما تعد الولايات المتحدة الأمريكية نقطة الجذب الأكبر للمهاجرين...

فاز دونالد ترامب بأغلبية مريحة.. كما استحوذ الحزب الجمهوري على أغلبية الكونغرس وهي حالة قلما تحدث في الأنظمة الليبرالية، هناك ثوابت ومتغيرات في اليات وأساليب ادارة السياسات العامة ما بين الحزبين الديمقراطي الجمهوري.. فيما تعد الولايات المتحدة الأمريكية نقطة الجذب الأكبر للمهاجرين... نجح النظام السياسي في تحويل حلم الرفاهية الأمريكية إلى حالة الانسجام في دولة المواطنة حتى بات يعبر عنها بوضع العلم الأمريكي عند الأبواب الخارجية للدور تاكيدا على حالة الانتماء للوطن - الرفاهية.

هكذا كانت إجابة المواطن الأمريكي من شتى الملل والنحل.. تقول انها مع منهج الرئيس ترامب. بكل ما عرف به من صلافة رجل الأعمال حتى باتت وقاحة شايلوك في قصة تاجر البندقية لا تتعد عن كونها لحظة ادراك ما في عموم منهج ترامب في إدارة سلطة أكبر قوة عسكرية ومالية دوليا بعقلية الربح والخسارة من دون مقدمات عن فوائد الصداقة او علاقات الشراكة او الجوار الجغرافي.

السؤال في سياق هذا المنهج المتجدد للرئيس المقبل.. في ولاية ثانية للبيت الأبيض.. كيف يمكن استشراف تعامله مع متغيرات الشرق الأوسط في سياقات المفارقة بين حرب استنزاف مفتوحة وبين حرب حسم شاملة وما بين كلا الحالتين في ضوء مواقف الفرقاء الإقليميين في المنطقة؟؟

لست مالكا للكرة البلورية حتى اقرأ المستقبل... لكن هناك منهج استشراف في مباراة الحرب والسلام تعرف بنموذج اللعبة متعددة الأطراف.. لمدخلات متناقصة تصل حد الحرب المباشرة او بالوكالة.. وبين نموذج اللعبة الصفرية التي تجعل كل طرف بمواجهة استحقاقات الربح والخسارة في حسم الصراع بقناعة المنتصر او المهزوم في التسويات التي يمكن أن يطرحها الرئيس ترامب مع بداية دخوله للبيت الأبيض.

وفق هذا الاستشراف يبدو من الممكن القول :

اولا: يمكن أن تتيح اي تسويات دولية تطرح مع روسيا الاتحادية والصين.. لواشنطن الرئيس ترامب إدارة تسويات تاريخية مثل صفقة القرن وإطلاق الصفحات المتأخرة والمتلكأة من مشروع الشرق الأوسط الجديد. احد تطبيقات القرن الأمريكي الحادي والعشرين.. والتي فشلت الإدارة الديمقراطية في عهدي الرئيس اوباما ثم عهد بايدن من التوصل إلى نقاط اتفاق يمكن أن تجعل من الاتفاقات الإبراهيمية او الشام الجديد.. منطلقات واقعية لحل الدولتين.. بدلا من الانغماس الإسرائيلي ومن ورائه الأمريكي في طوفان غزة وحرب جنوب لبنان... الذي يستهلك أموال الدعم الأمريكي لإسرائيل وربما يورطها بالمشاركة في حرب معلنة مع اكثر من طرف اقليمي لاسيما محور المقاومة بقيادة فيلق القدس الإيراني وربما أيضا يتطلب ذلك الحرب الشاملة على إيران فوق اراضيها. 

السؤال الأهم كيف ستكون نقطة الذروة الاستراتيجية التي يمكن أن تتوقف الأطراف المتحاربة عندها للجلوس على طاولة المفاوضات بدلا من تبادل الصواريخ والمسرات.

إسرائيل ومن خلفها اللوبي الصهيوني في إدارة ترامب المقبلة.. يمكن أن تتوقف عند حالة( تدمير القدرات) بدلا من الغاء وجود الطرف المقابل.. وهذا حصل في غزة وجنوب لبنان.. ودائما يمكن الاعتماد على القرارات الدولية التي توضع على الرفوف العالية مع قرع طبول الحرب لكي تفرش من جديد على طاولة المفاوضات.. وهناك أفكار متعددة عن تجديد قراءة القرار ١٧٠١ بما يمنح جميع الأطراف فرضيات استيعاب المتغيرات والدفع نحو طريق التهدئة ثم التسوية.

ثانيا: يعد الملف النووي الإيراني احد العقد في منشار صفقات الشرق الأوسط الجديد.. وهناك فهم واضح في تحليلات مراكز الأبحاث الأمريكية والاسرائيلية.. ان شل قدرات إيران النووية يتطلب قرارات حاسمة.. وليس القبول بنموذج حرب الاستنزاف بالوكالة الذي تديره طهران بنجاح إقليمي. فيما اتوقع شخصيا ان تاجر السجاد الإيراني يمكن أن يقلب الطاولة على المتشددين في إدارة ترامب المقبلة وحتى في إسرائيل بطرح مبادرة (سلام نووي) إيرانية من خلال الأمم المتحدة وحتي عبر جهات الاتصال الإقليمية مثل سلطنة عمان.. وجهات دولية مثل روسيا الاتحادية والصين.. لتحويل اي صفقات مع عهد ترامب الثاني الي الوقوف على المحك النووي الإيراني.

بالتأكيد مثل هذه المبادرة لابد وان تستجيب للشروط الأمريكية التي طرحت في اجتماعات ماقبل انفلات قواعد الاشتباك بين الصواريخ الإيرانية والاسرائيلية.. فمن يدري ما يمكن أن يضيف لها فريق ترامب وهذا يتوقف على تسمية مسؤول الملف الإيراني في فريقه سيما في البنتاغون والخارجية وربما سيكون هناك مبعوثا رئاسيا للشرق الأوسط!!

عكس هذا التصور الاستشرافي للموقف الإيراني .. إذا.. وهي أداة شرط.. إذا قامت إيران بالرد على الضربة الإسرائيلية الباهتة في رسالة تحدي صارخة لعهد ترامب الثاني.. وتوقيت وقوعها قبل وصوله إلى البيت الأبيض.. فان مرحلة (البطة العرجاء) تمنح كل من الرئيس الراحل والرئيس المقبل الاتفاق على دعم الرد الإسرائيلي لتجريد أبرز مواقع القوة الإيرانية.. وتكثيف الوجود العسكري الأمريكي المساند َوربما المشارك .. فهناك اسراب من طائرات بي٥٢ في قواعد أمريكية شرق اوسطية وَثلاث اساطيل حربية أمريكية ناهيك عن سفن الناتو الحربية لن تقوم بالثرثرة على مياه الخليج العربي او البحر الأحمر او المتوسط.. بل ستكون بمواجهة عسكرية مكلفة جدا.. ومن لا يعلم عليه مراجعة الغزو الأمريكي للعراق!!

ثالثا: كيف سيكون التعامل مع محور المقاومة الإسلامية بقيادة فيلق القدس الإيراني؟؟ واقع الحال.. المناورة الإيرانية بتكليف فصائل هذا المحور بالرد على الضربة الإسرائيلية الأخيرة... واعتبار ذلك قرارها وليس للحكومة الإيرانية سلطة ايقافها.. يبدو مجرد حالة بلهاء مع شخص ترامب وما فيه من صلافة وقبح مقيت.. عليه سبقى هذا المحور ضمن نقاط الرصد الأمريكية عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة.. يحسب انفاسهم مع كل حالة إطلاق مسيرة لتكون في جدول التفاوض مستقبلا.. سواء مع الصين التي يتهمها فريق ترامب تسهيل حصول إيران على تقنيات الصواريخ والمسيرات او موسكو التي توظف نتاج هذه المسيرات في حربها مع أوكرانيا!!

كل ذلك لا يغير حقيقة ان ترامب الثاني.. قد يختلف عن الاول.. وما قاله في الحملة الانتخابية قد يختلف مع ما يمكن أن يكون في وجوده رئيسا.. لكن الأفعال وردود الأفعال تحكم ما سيكون.. وفي لعبة عض الأصابع. من يصرخ اولا.. يندم كثيرا.. على طاولة المفاوضات... ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!

اضف تعليق