كغيره من الحلول الصعبة يواجه حل الدولة الواحدة عددا من التحديات منها: الاتفاق على التفاصيل: تنفيذ مثل هذا الحل يتطلب نقاشات مستفيضة وتفاهما واضحا حول كيفية تأسيس الدولة ونظام الحكم، القبول الشعبي: يحتاج الأمر إلى موافقة ودعم واسع من الشعبين، والعمل على تجاوز العقبات النفسية والتاريخية...

في 10 تشرين الثاني عام 2023 سألت اخي وصديقي الدكتور موفق الربيعي السؤال التالي: “عندك واهس تفكر معي بحل الدولة الواحدة. دولة فلسطينية يهودية من النهر الى البحر. دولة يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود كما كانوا في السابق؟”

فاجاب بما يلي:

“عزيزي أبو سعدي

أتذكر أنني ألقيت محاضرة في عام 2013 في مدرسة فليتشر في بوسطن ماساتشوستس عندما كنت أستاذاً زائراً في جامعة تافتس. وقلت إن الطريق إلى الأمام لحل هذه المعضلة هو ثلاثة مبادئ متشابكة.

حق اليهود في جميع أنحاء العالم في الاستيطان في الأرض الموعودة.

حق جميع الفلسطينيين في العيش في أرضهم الموعودة.

يجب أن تكون إسرائيل أو فلسطين، أو أي اسم تريده، دولة ديمقراطية علمانية موحدة تشمل غزة والضفة الغربية. لا هراء حول حل الدولتين.

وهذا ما أؤمن به حقًا. أود مناقشة ما سبق معك ومع أصدقائي الطيبين جدًا”. انتهى كلام الدكتور موفق الربيعي. وبالنسبة لي، فان هذا الجواب سجّل سابقة تاريخية، حيث حقق الدكتور موفق الربيعي السبق على غيره في التفكير بحل الدولة الواحدة.

انني مؤمن تماما بحل الدولة الواحدة. وهذا يتضمن حكما رفض الحلول الاخرى بما في ذلك حل الدولتين. ومما يزيد في ايماني، على سبيل المثال، ما اعلنه في ٢٠ تشرين الاول من هذا العام وزير الخارجية الايراني عراقجي من رفض بلاده لحل الدولتين مؤكدا على ان بلاده تؤيد حل الدولة الواحدة. و أوضح الوزير الايراني “في مثل هذه الدولة يتعايش جميع السكان الأصليين الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين جنباً إلى جنب مع اليهود، وعلى أساس استفتاء هؤلاء السكان الأصليين يجرى تقرير مصيرهم ومستقبلهم عبر صناديق ديمقراطية، وهذه الفكرة ليست غريبة بل حققت نجاحاً حين جرى إنهاء الفصل العنصري (أبارتهايد) في جنوب أفريقيا، واليوم يعيش البيض والسود جنباً إلى جنب في ظل نظام ديمقراطي”.ويشير وزير الخارجية الايراني الى مشروع الاستفتاء الذي تبنته ايران في عام ٢٠١٩. المشروع لا يستخدم مصطلح “الدولة  الواحدة” ولكن هذا هو مضمون المقترح ومؤداه. لانه يتضمن استفتاء شاملا على جميع الاراضي الفلسطينية من قبل جميع ساكنيها الاصليين. أما شكل النظام السياسي فهو متروك للسكان نفسهم (هل هو دولة اندماجية، فيدرالية، كونفدرالية، برلماني، رئاسي، ملكي، …. إلى آخره. كل هذا متروك لهم).

حلم بعيد

إقامة دولة واحدة علمانية على كامل الأرض الفلسطينية التاريخية (التي ذكرها هيرودوتس) قد تبدو حلمًا بعيد المنال، لكنها تحمل في طياتها فرصة حقيقية لتحقيق السلام والعدالة بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. هذه الفكرة تستند إلى مبدأ العيش المشترك والمساواة، بحيث يتمتع الجميع بحقوق متساوية في دولة تجمع بين الأديان والثقافات.

*أسس الفكرة:*

تستند الفكرة على عدد من الاسس منها:

المواطنة المتساوية: تعتمد هذه الرؤية على مبدأ المساواة بين جميع سكان الدولة المقترحة، بغض النظر عن الدين أو العرق. الجميع يكونون مواطنين متساوين أمام القانون، وهذا يتيح للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا جنبًا إلى جنب في احترام متبادل.

الحرية الدينية: الدولة العلمانية تضمن حرية العبادة والاعتقاد لكل الأفراد. هذه الحرية تزيل الحواجز والقيود الدينية التي قد تفرق بين الناس، وتفسح المجال للوحدة والتفاهم الحقيقي.

حق العودة وحرية الهجرة: يتيح هذا الحل للفلسطينيين الذين هُجِّروا من أراضيهم العودة إلى بيوتهم، وفي الوقت ذاته يضمن لليهود حول العالم حق الهجرة والاستيطان في الدولة الجديدة. هذا التوازن يمكن أن يخلق بيئة تتسم بالإنصاف والاحترام المتبادل.

إزالة الصبغة الدينية: بنزع الصبغة الدينية عن الدولة، نتجاوز المطالب التي قد تؤدي إلى التصعيد أو النزاع. تصبح الدولة مكانًا للجميع، دون تحديد هويتها من خلال دين أو عرق واحد.

التعايش السلمي: بتطبيق هذا الحل، نزيل الأسباب الجذرية للصراع ونخلق بيئة جديدة للتعايش السلمي تكون مبنية على العدالة والاحترام.

*التحديات المحتملة:*

حلول صعبة

كغيره من الحلول الصعبة يواجه حل الدولة الواحدة عددا من التحديات منها:

– الاتفاق على التفاصيل: تنفيذ مثل هذا الحل يتطلب نقاشات مستفيضة وتفاهما واضحا حول كيفية تأسيس الدولة ونظام الحكم.

– القبول الشعبي: يحتاج الأمر إلى موافقة ودعم واسع من الشعبين، والعمل على تجاوز العقبات النفسية والتاريخية. وهذا يتطلب تنازل الاطراف المعنية عن سقوفهم القصوى والاتفاق على حل الدولة الواحدة كحل وسط.

– الدعم الدولي: يتطلب الأمر دعمًا ومساندة من الجهات الدولية لضمان نجاح الفكرة وتنفيذها.

لا يتطلب حل الدولة الواحدة اعترافا بإسرائيل كدولة، لان مضمون الحل و مؤداه تفكيك الدولة القائمة الحالية وتغيير هويتها وصبغتها واقامة دولة جديدة لا دينية ولا عنصرية.

سيقول المعترض ان اسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما سوف يرفضون حل الدولة الواحدة. وجوابي: نعم سوف يرفضون. وهذا هو موضوع النضال الفلسطيني الجديد وهو حمل الدول الرافضة على قبول المقترح. بموجب هذا المقترح سوف يتغير هدف ومضمون واساليب النضال (السياسي، الدبلوماسي، الشعبي الخ) الذي لن يتوقف بطبيعة الحال.

بإيجاز، إقامة دولة علمانية موحدة تقدم فرصة حقيقية للسلام والتعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والشرق الاوسط، إذا تم التعامل مع التحديات بحكمة وإصرار على تحقيق مستقبل أفضل للجميع.

اضف تعليق