ربما ساعات قليلة تفصلنا عن الجولة الثانية للانتخابات التشريعية في تركيا، بعد ان فشل حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات التشريعية السابقة، من مواصلة تفردة في قيادة تركيا من دون منافس، بعد ان اختار اردوغان الذهاب الى انتخابات مبكرة بدلا من خيار تشكيل حكومة ائتلافية مشتركة مع بقية الاحزاب الفائزة، يكون لحزب "الزعيم اردوغان" جزء منها وليس الاستحواذ عليها بالكامل.
هذه الساعات ستكون حاسمة، والكثير من المتابعين وصفوا الشارع التركي بالغليان، رغم ان استطلاعات الرأي لم تعطي المزيد من الامل بالنسبة للعدالة والتنمية بخصوص تغير قناعات الناخبين وحصرتها بنفس النسب السابقة (40%-43%)، والتي لا تؤهل اردوغان من تنفيذ الطموحات التي اعلن عنها سابقا بتعديل صلاحيات الرئيس من خلال الدستور.
لم يترك اردوغان، منذ احتكار حزبه للسلطة في تركيا منذ 13 عام، فرصة الا وتحدث عن انجازات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة رافقت مسيرة الحكم الطويلة له ولحزبة، وقد هاجم في اكثر من مناسبة من اسماهم "اعداء النجاح" واتهمهم بالتحرك لافشال هذه النجاحات، وشن حملة امنية كبيرة ضد رجل الاعمال التركي المعارض "كولن"، مثلما شملت المعارضين والصحافة وحتى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
الاتراك بطبيعة الحال انقسموا الى معارض لسياسية اردوغان الداخلية والخارجية، وبين المؤيد لها، وقد ربط اردوغان نجاح العدالة والتنمية بالاغلبية التي يريدها بانقاذ تركيا من الفوضى، وهو تعبير لم يعجب الاحزاب الرئيسية المعارضة لاحتكار اردوغان السلطة... مثلما لم يعجب الكثير من الاتراك بعد ان شعروا بانهم يعيشون حاليا زمن الفوضى.
فالحديث عن انجازات العدالة والتنمية الاقتصادية تراجعت مؤخرا بعد الانكماش الحاد الذي اصاب الاقتصاد التركي، والذي ارتفعت على اثره نسب التضخم والبطالة
استخدام القسوة المفرطة في مواجهة المحتجين والاعتقالات العشوائية للمعارضين لسياسة الحزب وزعيمة داخل تركيا، اثرت بشكل واضح على شعبية الرئيس التركي، خصوصا وانها تناغمت مع تطلعاته التي اعلنها بصورة واضحة في الرغبة بتوسيع صلاحياته الرئاسية.
سياسيا كان لواقع الازمة السورية التي لم يحسن اردوغان او حزبة ادارتها بالطريقة الصحيحة الاثر الاكبر في التداعيات الامنية الاخيرة قبل وبعد تفجير أنقرة التي قتل فيها 102 شخص، وعد الهجوم الارهابي الاخطر في تركيا، وهو ما ترك الاتراك منقسمون وممتعضون مما حدث بعد ان ادركوا ان الحكومة التركية تتحمل ما حدث، سيما وانها دعمت ومولت جماعات متطرفة داخل سوريا لاسقاط نظام الاسد.
ما زاد الامور تعقيدا، انهيار محادثات السلام مع المعارضة الكردية، والتحول الى المواجهة العسكرية المباشرة مع حزب العمال الكردستاني، بمعنى اخر... الاتراك يرون جميع انجازات السلطان اردوغان باتت في مهب الريح... وقد عبر عنها الصحافي التركي، قدري غورسيل، بالقول "الدماء تسيل في تركيا وأردوغان يحاول استغلال أجواء التوتر هذه بدفع البلاد إلى الاختيار بين الفوضى والنظام".
الغريب ان اردوغان كلما تحرك باتجاه احكام قبضته الرئاسية داخل تركيا انفلت زمام الامور الداخلية والخارجية من بين يديه، وهو مؤشر واضح على نهاية فترة اردوغان الذهبية، خصوصا اذا دعا البلاد الى انتخابات تشريعية ثالثة في حال مطابقة النتيجة القادمة بالانتخابات السابقة.
اضف تعليق