لا يمكن للانتصار التحقق مع شيوع الفساد، عشرون عاما مضت والفساد على أشده، والأموال تنهب (بالهبل) كما يُقال، وأرقامها تشير الى ان سراقها من الحجم الكبير، أي بعض الذين تحاصصوا السلطة بحسب مقاعدهم في البرلمان، لكننا لم نمسك فاسدا، ولم نسمع حكما...
وهكذا صارنا بمواجهة التحدي الكبير، في بلد لا تفارقه الخطوب أبدا، لكونه محط الأنظار لأسباب شتى، خيراته وفيرة، وقدراته على النهوض لا تقتضي وقتا طويلا، وشعبه يختلف عن الآخرين، في تمسكه بمبادئه، وفي انتصاره لقضايا أمته، ونخوته ازاء أشقائه، واستعداده للتضحية في مواجهة الظلم، وشجاعته في الأقدام مهما كانت قوة أعدائه، لا يتسلل اليأس الى نفسه، ولا تنال من بأسه العوادي، طبعا بعض ما قلت لا يتلاءم مع عالم اليوم، وبعضهم يعده من الأخطاء الجسيمة في معايير القوة والضعف، لكن هكذا جبلنا ولن نحيد .
لا غبار على شجاعة العراقيين، وسوح الوغى تشهد لهم، تأملوا التاريخ ان كنتم تشككون، ولكني أشكك على الدوام بقياداته، وليست ببعيدة مغامرات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي التي انتهت باحتلال بلادنا، لم نرزق بقيادة رشيدة توفر مقومات الانتصار، وتسمع لهمسات الحكمة بدل الانسياق مع الانفعالات، والركون الى المنطق بدل الشعارات.
وكنا أكدنا فيما مضى حتى بحت الأصوات: ان القادم من الخطوب قد يكون أخطر مما مررنا به، ولابد من الاستعداد لها، والبدء بإصلاح عمليتنا السياسية بشكل توصلنا حقا لعراق جديد ننشده، وقلنا ان الديمقراطية المعلبة لن تنتج سوى فوضى، وعلينا صوغ ديمقراطيتنا بحسب بيئتنا، وأن نكون صادقين ويتملكنا ايمان عميق بها، فالديمقراطية الحقيقية تلك التي تنسج جبهة داخلية موحدة، فلا يمكنك الانتصار دون هذه الجبهة، بينما واقعنا يشير الى ان بعض قادتنا يجر بالطول والآخرين بالعرض كما يقول المثل، منهم من ارتضى الارتماء بأحضان الغرباء تحسبا من أخيه، فالثقة انعدمت تماما بين الجميع، وبدل أن تكون الديمقراطية سبيلا لخلق مجتمع متماسك، اتخذت أداة للوصول للسلطة فقط، بينما الديمقراطية ليست هكذا اطلاقا، والا لما دافعت عنها الشعوب وفضّلتها على كل الأنظمة، اكتفينا من الديمقراطية بالانتخابات وكأنها جوهر النظام الديمقراطي، وصار بعضنا يريد الامساك بالسلطة ليس لبناء العراق، بل للهيمنة على المنافسين والنفوذ في الواقع.
وقال العارفون: لا يمكن للانتصار التحقق مع شيوع الفساد، عشرون عاما مضت والفساد على أشده، والأموال تنهب (بالهبل) كما يُقال، وأرقامها تشير الى ان سراقها من الحجم الكبير، أي بعض الذين تحاصصوا السلطة بحسب مقاعدهم في البرلمان، لكننا لم نمسك فاسدا، ولم نسمع حكما.
وتعالت الأصوات محذرة: ان المحاصصة تمهد السبيل للفساد، وان الفساد أخطر من الارهاب وأشد قسوة، وانه سينخر الدولة حتى لا تستطيع الوقوف على قدميها، لكن الجميع صم الآذان، لماذا؟، لأن لا مشروع وطنيا لديهم، وبالأصل لا ايمان عميق في قلوبهم بالوطن، ومثل هؤلاء لا يسمعون ولا يبصرون.
ولمّح العارفون الى الكثير، وكانوا يخشون الصريح من العبارات، لأن بعض النافذين سرعان ما ينفعلون، ولا يأخذون كلام الحريصين بحسن النوايا، ومن بين ما ألمحوا اليه: أن ابتلاع الدولة أمر خطير، وان الذي يتطلع للتأثير عليه أن يكون فاعلا من داخل الحكومة، يسهم في بناء الدولة وتمتينها لتستعيد وزنها ومكانتها وقوتها، وبالتالي تمكينها من مواجهة الأخطار، والدولة بأيديكم وانتم المتحكمون بها، فلِمَ تبتلعونها لحساب دولة عميقة، ولِمَ تضعفونها لدرجة تجعل من يتصدى لإدارتها حائرا ومترددا في قرارته؟، وليس من سبيل أمامه سوى مسك العصا من الوسط، وهكذا امساك لا يوصلنا الى بر الأمان، لكن الجميع فكر بمصالحه الضيقة، فصرنا دويلات، وكررنا الكلام بأن العدو على الأبواب، وهدفه تدمير العراق وليس استهداف جهة بعينها، وانه يتسلل الينا بذرائع شتى وأولها الدولة العميقة، والآن لا أدري ان كان في الوقت متسع لمعالجة الأخطاء، وهل رأيتم انتصارا تحقق مع فساد ومحاصصة ونظام مهلهل يعتمد الولاءات بدل الكفاءات؟
اضف تعليق