الحلقة المفقودة في هذه اللعبة المدمرة، وهو أن العراقيين من أصحاب السوق المستوعبة لهذه العمالة، سواء ورش أو مكاتب أو أماكن عمل أخرى، صاروا يرون في هذه العمالة فرصا للربح، لرضاهم بالقليل ولكونهم أكثر طاعة لأصحاب العمل، لذا يفضلونهم على العمال المحلية، ويوفرون لهم أغطية معينة تبعدهم عن أعين الجهات الأمنية...

كتبت قبل أسابيع قليلة مقالا بعنوان (العمالة الأجنبية ومافياتها)، وكانت خلاصته هي أن هناك أعدادا هائلة من العمالة الآسيوية، غطت السوق العراقية، وأن الكثيرين من هؤلاء تجدهم يمارسون التسول أو أعمالا ليس فيها أي مردود أو فائدة للعراق. 

وقد أكدت أن الكثيرين جدا من هؤلاء يتم جلبهم من خلال مافيات لتهريب البشر ولم يأتوا بطريقة قانونية تحفظ لهم حقوقهم كعمالة متعاقدة مع الدولة وتحت سقف قوانينها.

وقبل أيام قليلة انتشر خبر مثير يقول إن خمسين الف باكستاني اختفوا في العراق بعد أن جاؤوا لأداء مراسم زيارة محرم. من الصعب على ذي عقل أن يصدّق بأن هذا العدد اختفى أو تاه بين أزقة بغداد أو كربلاء وغيرها من المدن العراقية، وإنما تلقفته أيادٍ موجودة في العراق كانت قد تهيأت لاستقبال هؤلاء وتوزيعهم وفق خطة معدة مسبقا، أي أن عمل المافيات تطوّر أكثر وباتت له أذرع محلية تعمل بالتنسيق مع الأذرع الخارجية، وأن هذا العدد لن يكون الأخير، إن لم تكن هناك إجراءات عملية من قبل الجهات المعنية العراقية، للوقوف بوجه هذه اللعبة، التي سيكون من نتائجها زيادة نسبة البطالة في العراق. 

إضافة إلى زيادة نسبة الجرائم، منوهين هنا بأن الأجهزة الأمنية ألقت القبض مؤخرا على مجموعة من الآسيويين، وهم يمارسون التهديد ضد المواطنين العراقيين، وهؤلاء ربما لم يجدوا فرص العمل التي وعدوا بها فضاقت بهم الأحوال والتجؤوا إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم وغيرها، أو ربما بقصد الحصول على المال بشكل أسرع أو الحاجة الشديدة، وهذه الأسباب كلها دوافع واقعية لإرتكاب الجرائم. 

ما يعني أن خطر العمالة الاجنبية تجاوز مسألة منافسة العمالة العراقية إلى منافسة المجرمين والسراق وغيرهم، وهو ما سيثقل على الأجهزة الأمنية ويحرجها أكثر مستقبلا. نحن نرى أن حل هذه المشكلة يشبه حل مشكلة المخدرات، فمثلما هناك شبكات محلية لتوزيع المخدرات في العراق هناك أيضا شبكات لتهريب العمالة الاجنبية، وتقوم بتسليمها إلى جهات محلية تقوم بتوزيعها، والحل لا يتم من دون تعاون دولي، لا سيما الدول الاسيوية التي باتت لها عمالة كثيرة في العراق.

إذ إن هؤلاء وبفضل تقنية التواصل صار بعضهم يغري البعض الاخر بالمجيء أو يعده بالحصول على فرصة عمل، فيحفزه على المجيء ولو بطريقة غير قانونية، كون الذي سبقه هو الاخر جاء بهذه الطريقة ويعرف الوسائل التي أوصلته إلى العراق ويعطيه تفاصيلها. 

شيء مهم لا بد من الإشارة اليه ولعله هو الحلقة المفقودة في هذه اللعبة المدمرة، وهو أن العراقيين من أصحاب السوق المستوعبة لهذه العمالة، سواء ورش أو مكاتب أو أماكن عمل أخرى، صاروا يرون في هذه العمالة فرصا للربح، لرضاهم بالقليل ولكونهم أكثر طاعة لأصحاب العمل، لذا يفضلونهم على العمال المحلية، ويوفرون لهم أغطية معينة تبعدهم عن أعين الجهات الأمنية والجهات المعنية الأخرى. وهؤلاء يعدون من المسهمين الكبار في إدامة هذه اللعبة وتكريس نشاطها في العراق، ويبقى الفساد بحلقاته الكبيرة والصغيرة المعول الأكبر لهدم أسس الأمن والاقتصاد في العراق. وأن وقفة جادة بات ضرورة قبل أن تنزلق البلاد إلى ما هو أسوأ.

اضف تعليق