فتح قنوات للحوار مع النظام السوري كان من المحرمات، وقد وضعت جميع الدول المعارضة لبقاء الاسد في السلطة، الخطوط الحمراء، امام اي حل سلمي قد يفهم على انه اعتراف ضمني لتعزيز شرعية الاسد ونظامه، بعد ان راهنت كثيرا على سقوطة المبكر، حالة في ذلك حال من سبقه من الحكام العرب في مصر ليبيا وتونس وغيرها.
ومن يقارن بين حال المعارضة (جماعات ودول) ايام مؤتمر (جنيف1) و(جنيف2)، وقوائم الشروط الطويلة، وحالهم في الوقت الراهن، يجد ان الامور تغيرت الشيء الكثير... طبعا هذه الانقلاب ليس مرده الى الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوري او حلفائه على الارض، او الاحباط الذي اصيب به الطرف الاخر من امكانية تغيير النظام ورحيل الاسد، وانما جاء بعد (تغير القناعات) بان الحل العسكري لا يمكن ان يثمر عن نتائج يطلبها المعارضين للنظام او الداعمين له في ذات الوقت، وان (الحل السياسي) هو الاقرب للواقع وهو ما يمكن ان يعطي نتائج ملموسة قد تغير الواقع المرير للمنطقة باكملها.
التخبط الذي عاشته الجماعات المسلحة (او المعارضة) من اجل الاطاحة بنظام الاسد تحت عنوان (باي ثمن ممكن) كلفها وكلف من يدعمها من الدول الكثير من الخسائر المباشرة والجانبية، وجعل التنظيمات المتطرفة تنمو على حساب الجميع، حتى تمكن تنظيم داعش من السيطرة على اراضي ومقدرات مالية واستمالة الالاف من المقاتلين من جهد او عناء يذكر.
ومع انشغال الجميع بالتفكير والبحث عن اقصر السبل للاطاحة بالاسد وانهيار النظام السوري، كانت الجماعات المسلحة تغير ولائها الى التنظيمات المتطرفة بعد ان استلمت من الدول الداعمة الاموال الطائلة والتسليح الحديث، في حين بدأت المعارضة السياسية تفقد السيطرة على مقاتليها داخل سوريا بسبب اختلاف توجهات الداعمين من جهة، وتضارب تطلعاتهم من جهة اخرى.
وقد ولد تغير المناخ لدى المعارضة الى اخفاقات كبيرة صبت في نهاية المطاف في مصلحة نظام الاسد، وحصل على الجائزة من دون جهد او عناء ايضا بعد ان تفاقمت مشاكل (الارهاب) و(الهجرة) وارتفاع حصيلة (الضحايا) من المدنيين، الى مشاكل عالمية لم يعد بالامكان السيطرة عليها من دون اعادة النظر في طريقة ادارة الامور.
الحديث عن اشراك الاسد في (حل سياسي) انتقالي، يعني اعتراف ضمني بفشل جميع المحاولات السابق للدول الداعمة، خصوصا في الخليج واوربا، التي كانت تصر على رفض الفكرة من حيث المبدأ... وعندما فكر (جون كيري) بصوت مرتفع وتحدث عن بقاء الاسد في فترة انتقالية، توالت الاتهامات بالضعف والتردد على الادارة الامريكية من قبل الحلفاء، بينما يحاول ذات الحلفاء التواصل مع روسيا لمناقشة هذه المرحلة (الانتقالية).
من جرب فرض الحل السياسي في ساحة المعركة، تعرض لهزيمة عسكرية مذلة، حتى ان دولا مثل تركيا، تحاول اليوم السيطرة على انتشار الخلايا الارهابية داخل مجتمعها بعد ان سهلت ومولت وجربت كل شيء تقريبا من اجل الوصول الى نقطة الانهيار في سوريا، وما ربحته فقط اكثر من (2) مليون لاجىء على اراضيها، وصراع دامي مع المعارضة الكردية، وهبوط اسهم الاصوات لحزب العدالة والتنمية امام المعارضة، فضلا عن التفجيرات الارهابية داخل اراضيها ممن وفرت لهم الغطاء الامن قبل حين.
روسيا لم تتاخر في الاتصال بتركيا ومصر والسعودية والاردن للتباحث معهم عن زيارة الرئيس السوري الى موسكو، وهي الزيارة التي شكلت مفاجأ، بطبيعة الحال، لدى الجميع، لكنها كانت متوقعة في نهاية المطاف، سيما مع تغير الموقف الروسي من الدفاع الى الهجوم، او بعبارة اخرى، مسك زمام المبادرة (للحل السياسي) في سوريا... وقد رفض الناطق الرسمي الروسي التعليق عن تفاصيل الزيارة، خصوصا الجزء الذي يتعلق برحيل الاسد عن السلطة في حال تم التوصل الى هكذا اتفاق، لكن كل شيء جائز، ما دامت (القناعات) قد تغيرت لدى البعض، وفي طريقها للتغير لدى البعض الاخر.
اضف تعليق