تعرضت العديد من الدول لانقطاعات في التيار الكهربائي بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إما بإجراءات استباقية كما فعلت بعض دول الشرق الأوسط ومن بينها مصر والكويت والعراق، أو اضطرارياً كما حدث في دول البلقان والمملكة المتحدة هذا الأسبوع، بينما تستعد دول أخرى لمصير مشابه في الأسابيع المقبلة...

يعاني العالم ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة بسبب تغير المناخ، ما يضغط على البنية التحتية للطاقة، وهي من بين الأسباب الرئيسية لانقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير في عدد من دول العالم ولا سيما الدول المتقدمة.

ويبدو أن الأمر طال أركان العالم الأربعة، إذ تعرضت العديد من الدول لانقطاعات في التيار الكهربائي بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إما بإجراءات استباقية كما فعلت بعض دول الشرق الأوسط ومن بينها مصر والكويت والعراق، أو اضطرارياً كما حدث في دول البلقان والمملكة المتحدة هذا الأسبوع، بينما تستعد دول أخرى لمصير مشابه في الأسابيع المقبلة.

ويؤثر تغير المناخ بشكل مباشر على إمدادات الوقود وإنتاج الطاقة وكذلك المرونة المادية للبنية التحتية الحالية والمستقبلية للطاقة، فموجات الحر والجفاف تضع بالفعل توليد الطاقة في الوقت الحالي تحت الضغط، وفقاً لما ذكرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقرير.

ويمكن أن يؤدي الطقس الحار إلى زيادة الطلب على الطاقة لتشغيل مكيفات الهواء، ما قد يؤدي إلى زيادة التحميل على الشبكة الكهربائية ويؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي، وفي الوقت نفسه، يمكن لدرجات الحرارة المرتفعة أن تجعل محطات الطاقة أقل فعالية، وتحد من كمية خطوط الطاقة التي يمكن أن تحملها، وتزيد من احتمالية حدوث أعطال في المحولات، التي تساعد في التحكم في الجهد عبر الشبكة الكهربائية للبلاد.

بجانب ذلك، لم تُبنَ الشبكة الكهربائية في العديد من البلدان لتناسب المناخ الحالي، إذ تنقل وتوزع الكهرباء في الغالب من خلال المحولات الموجودة فوق الأرض وأسلاك النقل وأعمدة الكهرباء التي تتعرض لظروف الطقس القاسية مثل الرياح العاتية والأمطار الغزيرة والجليد والبرق والحرارة الشديدة، وحتى في المناطق التي تكون فيها خطوط الكهرباء مدفونة، يمكن أن تؤدي الفيضانات إلى انقطاع التيار الكهربائي.

ودعت المنظمة إلى مضاعفة إمدادات الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة خلال السنوات الثماني المقبلة للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية، وإلا فسيكون هناك مخاطر من أن يؤدي تغير المناخ والطقس الأكثر تطرفاً إلى تقويض أمن الطاقة العالمي، بل وتعريض إمدادات الطاقة المتجددة للخطر.

كانت مصر من بين أوائل دول الشرق الأوسط التي لجأت إلى تخفيف الأحمال مع ارتفاع درجات الحرارة إلى ما يقرب من 40 درجة مئوية في القاهرة وتجاوزت هذا الرقم في محافظات مثل الأقصر وأسوان، وتتبع دول أخرى هذا النهج بما في ذلك ليبيا وتونس، بسبب أزمة نقص إمدادات الكهرباء.

وقررت الحكومة المصرية في بداية يونيو حزيران 2024 تمديد انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد لمدة ساعة إضافية للسماح بإجراء صيانة وقائية لشبكات الغاز والكهرباء الإقليمية وبسبب زيادة الاستهلاك الناجم عن موجة الحر، لتصل إلى ثلاثة ساعات يومياً.

وفي الكويت تجاوزت درجة الحرارة الـ52 درجة مئوية الأسبوع الماضي، ما تسبب في حدوث خلل وانقطاع للكهرباء، لذا قررت الحكومة اتباع سياسة القطع المبرمج لساعتين كحد أقصى في بعض المناطق الزراعية والسكنية.

أما العراق فقد شهد احتجاجات متزايدة بسبب أزمة انقطاع الكهرباء في البلاد، بسبب ارتفاع كبير بدرجات الحرارة التي تجاوزت 51 درجة مئوية في 10 مدن.

وخلال هذا الأسبوع، تعرض مطار مانشستر، أحد أكثر المطارات ازدحاماً في المملكة المتحدة، لانقطاع التيار الكهربائي، ما تسبب في تأخير وتعطيل الركاب، وقال المطار في بيان يوم الأحد إن «عدداً كبيراً من الرحلات الجوية» العاملة من المطار الواقع في شمال إنجلترا تأثر بانقطاع «كبير» للتيار الكهربائي في المنطقة.

وفي ركن آخر من العالم، ضرب انقطاع كبير للتيار الكهربائي دول البلقان بما في ذلك الجبل الأسود والبوسنة وألبانيا ومعظم ساحل كرواتيا يوم الجمعة 21 يونيو حزيران 2024، ما أدى إلى تعطيل الأعمال وإغلاق إشارات المرور وترك الناس يتصببون عرقاً دون تكييف الهواء وسط موجة حارة.

وقال ساسا موغوفيتش وزير الطاقة في الجبل الأسود لوسائل الإعلام المحلية، إن سبب الإغلاق هو الزيادة المفاجئة في استهلاك الطاقة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وبسبب الحرارة نفسها التي تزيد من التحميل الزائد على الأنظمة.

وأضاف وزير الطاقة الألباني بليندا بالوكو إن التحليل المبكر يشير إلى أن الكميات الكبيرة من الطاقة في نظام النقل في الوقت الحالي ودرجات الحرارة المرتفعة للغاية إلى مستويات قياسية قد خلقت هذه المشكلة الفنية.

في غضون ذلك، لجأ العديد من الأشخاص الفارين من الصراع في بلدان جنوب الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا إلى ليبيا وتونس والجزائر في ظل نقص إمدادات الطاقة وتعرضهم لدرجات الحرارة المرتفعة بشكل غير طبيعي، والمتوقع أيضاً أن تؤثر هذه الحرارة على المناطق التي مزقتها الصراعات، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، قطاع غزة وسوريا والسودان.

وأعربت حكومات عديدة عن مخاوفها بشأن ارتفاع درجات الحرارة الشديدة وتزايد أعداد الوفيات، وبخاصة داخل دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك اليونان التي تواجه تزايداً في أعداد الوفيات، ونيودلهي في الهند، فضلاً عن المخاوف في المملكة المتحدة.

وكان العام الماضي الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم، ووفقاً للوكالة الأميركية فإن عام 2024 الجاري قد يحطم هذا الرقم القياسي بنسبة 50 في المئة، وفي كل الأحوال سيكون بالتأكيد من بين السنوات الخمس الأكثر سخونة.

انقطاع الكهرباء في مصر يشعل الغضب 

مرة واحدة يوميا على الأقل، تتوقف محرّكات المراوح وأجهزة التكييف والثلاجات عن العمل في مصر مع انقطاع التيار الكهربائي، فيعمّ الغضب بين المصريين وسط درجات حرارة تزيد عن ال40 مئوية منذ أكثر من شهر.

تتوقف المصاعد وتُلغى الاجتماعات أو يعاد تحديد مواعيد لها مع عودة الكهرباء للعمل بعد ساعة أو اثنتين. وهذا الأسبوع، امتد الانقطاع إلى ثلاث ساعات، ووصل إلى ست ساعات يوميا في بعض المناطق.

وتقوم الحكومة المصرية بقطع الكهرباء بانتظام منذ عام بسبب أزمة طاقة مصحوبة بشحّ في العملات الأجنبية أدّى الى عدم توافر الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء.

كانت فترات الانقطاع في البداية تصل إلى ساعة واحدة وأحيانا أقلّ، ولكن مع زيادة الفترة في ظل موجات متتالية من الحرّ الشديد، ارتفعت وتيرة الانتقادات الموجهة للحكومة المصرية.

وليست الإجراءات الهادفة إلى خفض استهلاك الوقود على المستوى نفسه في كل أنحاء البلاد.

ففي مدينة أسوان الواقعة في جنوب البلاد وحيث وصلت درجات الحرارة الى أكثر من 50 مئوية في الظل هذا الشهر، “تُقطع الكهرباء لمدة أربع ساعات يوميا ما يؤدي إلى انقطاع المياه ايضا” بسبب توقّف محركات الدفع، بحسب ما يقول طارق المقيم غرب أسوان، لوكالة فرانس برس.

ويضيف الرجل الذي طلب استخدام اسم مستعار خشية تعرضه لمضايقات، “في القرى على وجه الخصوص، ليست هناك مواعيد محددة أو منتظمة لقطع التيار. الطعام يفسد في الثلاجات والناس يصابون بإجهاد حراري… ومع ذلك لا أحد يبدو مهتما”.

مطلع هذا الشهر، قالت النائبة البرلمانية عن مدينة أسوان ربهام عبد النبي إن العشرات توفوا بسبب الإجهاد الحراري.

وطالبت باستثناء مدينتها من خطة قطع التيار التي “تهدّد المواطنين بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة”.

في القاهرة حيث راوحت درجات الحرارة عموما ما بين 40 و45 مئوية في الظل خلال الأسابيع الأخيرة، تنقطع الكهرباء كذلك في مواعيد غير منتظمة وغير معلنة سلفا.

مع موجات الحر المتتالية، ازدادت فترات انقطاع الكهرباء وازداد التململ الذي عبّر عنه إعلاميون معروفون بدعمهم للحكومة.

وكتبت الاعلامية لميس الحديدي على منصة “إكس”، “يعني قطع الكهرباء أربع ساعات في درجة حرارة 43 وبدون مواعيد محددة؟”.

وأضافت “هنا ناس متقدمون في السن لا يتحمّلون، وهناك أشخاص مرضى وطلبة يدرسون وأشخاص يعلقون في المصاعد.. الكهرباء ليست رفاهية”.

وتأتي أزمة الكهرباء فيما يواجه المصريون أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود تسبّبت بتآكل مدخراتهم وهم يكافحون من أجل توفير نفقات حياتهم اليومية.

ومنذ نهاية 2022، فقدت العملة المصرية ثلثي قيمتها، وبلغ التضخّم العام الماضي 40% مسجلا رقما قياسيا.

وطالب الإعلامي المصري البارز عمرو أديب الأحد الماضي في برنامجه “الحكاية” على شبكة “إم بي سي” والذي يحظى بنسبة مشاهدة عالية، السلطات المصرية، بأن تصارح المصريين بـ”الحقيقة”.

وقال إن الحكومة “فشلت” في وضع جدول بمواعيد انقطاع التيار وفي الالتزام بالمواعيد التي أعلنت عنها. “كل ذلك ونحن نعرف أن هناك زيادات قادمة في أسعار الكهرباء”.

ورفعت الحكومة أسعار الكهرباء في كانون الثاني/يناير الماضي، وأعلنت أنها قد ترفعها مجددا مع بداية السنة المالية الجديدة في تموز/يوليو.

وهذا الأسبوع، انقطع التيار في بعض أحياء القاهرة عند منتصف الليل إضافة إلى الانقطاع المعتاد نهارا ما أدى إلى تزايد التململ.

وعقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤتمرا صحافيا قدّم فيه “اعتذارا للمواطنين”، وقال إن قطع الكهرباء سيستمر لمدة ثلاث ساعات يوميا هذا الأسبوع، ولكنه تعهّد بأن تعمل الحكومة على حلّ الأزمة تدريجيا بحلول نهاية العام الجاري.

وقال مدبولي إن تزايد فترة قطع التيار جاء نتيجة توقف إمدادات الغاز التي تحصل عليها مصر “من إحدى الدول المجاورة” لمدة 12 ساعة، دون تسمية البلد.

وكانت مصر عقدت منذ العام 2020 اتفاقا مع شركات إسرائيلية لاستيراد الغاز الطبيعي لكي تقوم بتسييله وإعادة تصديره إلى أوروبا.

وبسبب توقّف إمدادات الغاز الطبيعي، توقّفت هذا الأسبوع مصانع أكبر شركتين للأسمدة في مصر وهما أبو قير ومصر لإنتاج الأسمدة.

وأكد مدبولي الذي كُلّف مطلع الشهر الجاري بتشكيل حكومة جديدة، أن مصر ستخصص 1,2 مليار دولار، أي ما يعادل 2,6% من احتياطياتها من العملات الأجنبية، لشراء وقود خلال تموز/يوليو. 

وقال الناشط السياسي المصري محمد أبو الغار على صفحته على فيسبوك “الكهرباء تنقطع كل يوم وعدة مرات ولفترات تطول والغضب يتكرر والوعي بعدم كفاءة النظام أصبحت الكلام العادي عند الجميع”.

كما عبر الإعلامي أحمد موسى المعروف بتأييده للحكومة من خلال برنامجه التلفزيوني عن استيائه من تأخر الإعلان عن أسباب انقطاع الكهرباء وأكد على ضرورة إفصاح الدولة عن تفاصيل المشكلة و مواعيد انقطاع التيار.

ومنذ يوليو تموز من العام الماضي، أدى تخفيف الأحمال المرتبطة بانخفاض إنتاج الغاز وارتفاع الطلب ونقص العملات الأجنبية إلى انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعتين يوميا في معظم المناطق.

وتسبب انقطاع التيار الكهربائي، الذي بدأ الصيف الماضي مع زيادة استخدام أجهزة تكييف الهواء، في عدد من الوفيات وفي توقف أنشطة الأعمال.

وفي مطلع هذا الشهر، لقى عازف الساكسفون محمد علي نصر حتفه إثر سقوطه من مصعد في مدينة الإسكندرية الساحلية، بعد أن حبس بداخله أثناء انقطاع التيار الكهربائي، حسبما قال شقيقه لبرنامج تلفزيوني محلي.

واعتبر تعزيز إمدادات الكهرباء أحد الإنجازات الرئيسية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السنوات التي تلت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013.

وألقى المسؤولون باللوم في انقطاع التيار الكهربائي على ارتفاع الطلب مع تزايد عدد السكان البالغ 106 ملايين نسمة والتوسع في مشروعات التنمية.

احتجاجات على انقطاع الكهرباء في العراق

كما شهد جنوب العراق احتجاجات متزايدة بسبب أزمة انقطاع الكهرباء، في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع كبير في درجات الحرارة، والتي تجاوزت 51 درجة مئوية في 10 مدن، وسط موجة حر تضرب معظم دول العالم.

وتأتي هذه الاحتجاجات لتزيد من التوترات السياسية في البلاد والانتقادات التي تواجه رئيس الوزراء محمد السوداني، وسط دعوات بأن يستدعي البرلمان رئيس الوزراء لسؤاله حول أزمة الكهرباء في العراق.

في فبراير شباط 2024، قال الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد، خلال مقابلة حصرية مع «CNN الاقتصادية»، «مع الأسف الشديد دخل الفساد في الكهرباء، هذا السبب الرئيسي للأزمة وأنا لا أخفيه»، مشدداً على حاجة شبكة الكهرباء في البلاد إلى عملية تطوير شاملة.

وذكر المكتب الإعلامي لوزير الكهرباء زياد علي فاضل في بيان تلقته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أنه «استناداً إلى توجيهات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أطلق الوزير المرحلة الأولى لحملة معالجة الاختناقات في شبكة قطاع التوزيع التي تشهدها بعض مناطق العاصمة بغداد والمحافظات».

وأضاف أن «المرحلة الأولى للحملة ستستمر 15 يوماً، وتشمل نزول جهد خدمي واسع في المناطق التي تشهد تذبذباً في تجهيز الطاقة الكهربائية، بما يضمن استقرارها وتقليل الانقطاعات المتكررة».

كما وجهت الحكومة بتقليص عدد ساعات الدوام في المؤسسات الرسمية إلى 6 ساعات بدلاً من ثمانٍ، على أن يكون وقت بدء الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية كافة في المحافظات، عدا العاصمة بغداد، في الساعة السابعة صباحاً وانتهاء الدوام في الساعة الواحدة ظهراً، وفقاً لواع.

وينتج العراق نحو 26 ألف ميغاواط من الكهرباء في حين تبلغ احتياجات البلاد نحو 35 ألف ميغاواط، وبلغت التكاليف التشغيلية لشبكة الكهرباء العراقية في عام 2019 نحو 9.3 مليار دولار، بينما كانت إيرادات الوزارة أقل من مليار دولار.

وينفق العراق ما يقرب من 4 مليارات دولار سنوياً على واردات الغاز والكهرباء من إيران، بينما يحرق في الوقت نفسه كميات هائلة من الغاز الطبيعي كمنتج ثانوي في قطاع الهيدروكربونات.

وفي أبريل نيسان 2024، وقّع العراق مذكرات تفاهم في مجال الطاقة والمحروقات خلال زيارة رئيس وزرائه محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة، مع كشف السلطات في بغداد شراكة ستتيح زيادة إنتاج الكهرباء بمقدار ثلاثة آلاف ميغاواط.

* المصدر: وكالات

اضف تعليق