عندما لم تجد التوسلات والمغريات بمليارات الدولارات لتغيير الموقف الروسي من الدفاع عن النظام السوري، إلى تحقيق رغبات الحكام السعوديين في ساحة الصراع المتشابك والمعقد في سوريا، خرج الأمير تركي الفيصل عن صمته، بإطلاق تصريح إراد به أن يكون تهديداً مبطناً الى القيادة الروسية، وشخص الرئيس فلاديمير بوتين بأن "لا تصنع عدواة 1.25مليار مسلم..."! بما يعني أن الامير السعودي يذكّر بوتين بوجود شعوب مسلمة داخل الاتحاد الفيدرالي الروسي، وايضاً في مناطق آسيا الوسطى والقوقاز، ربما تشكل قنبلة موقوتة بأوامر سعودية وتنزل العقاب بروسيا على عدم انصياعها للإرادة السعودية.
هذا التهديد المجوّف (المبطن) يذكرنا بمقولة الملك السابق؛ عبد الله في حديث لمجلة "التايم" بعد أحداث "11إيلول" بأن "أميركا لن تنتصر لوحدها"، فهو – عبد الله- يشير الى الحرب ضد "الارهاب"، بينما المقصود هو الدور المنظور للسعودية في مستقبل المنطقة، والذي تحدد اواسط التسعينات، بعد إصدار الكونغرس الاميركي في عهد الرئيس الديمقراطي، بل كلنتون، قانون "تحرير العراق"، مما فسره السعوديون بانه تجاهلاً صارخاً لهم، ورسم مستقبل بلد عربي مهم مثل العراق، دون استشارتهم.
لكن؛ هل غيّرت التحركات السعودية في ظلام الدهاليز المخابراتية، وبين التنظيمات الارهابية والتكفيرية، المخطط الاستراتيجي الاميركي المرسوم للعراق والمنطقة؟ وهل غيرت من مسار السياسة الاميركية، منذ الاجتياح الاميركي للعراق وحتى اليوم. الشيء الوحيد الذي فعله الاميركيون للسعوديين طيلة الفترة الماضية، هو سكوتهم عن الدعم والرعاية المباشرة وغير المباشرة للعمليات الارهابية والدموية داخل العراق، لجعل التجربة الديمقراطية وعملية البناء السياسي والاقتصادي، عملية أشبه بالمستحيلة وسط نيران المتفجرات وأنهر من الدماء. وبالنتيجة؛ تحقيق ما ترمي اليه السياسة الاميركية، بما أطلقت عليه وزيرة الخارجية الاميركية السابقة بـ "الفوضى الخلاقة".
وبغض النظر عما حققته السعودية طيلة الثلاث عشر سنة الماضية في العراق، فان النتيجة على الارض؛ إزهاق أرواح مئات الآلاف من المدنيين من سنّة وشيعة، ذهبوا ضحية صراع طائفي زجوا فيه دون أن يعرفوا له أهدافاً حقيقية.
وهذه المرة، تسعى السعودية على لسان شخص مثل، تركي الفيصل، المدير السابق للاستخبارات، لتجسير الناس المدنيين ليكونوا ضحايا جدد يعبرون عليهم صوب اهدافهم المرسومة. ويبدو أن لا شخصية سعودية أخرى تكون قادرة على إطلاق هذا التصريح، سوى هذا الزعيم المخابراتي المخضرم الذي يعرفه الجميع بأنه باني هيكلية المخابرات السعودية منذ عام 1977 وحتى 2001، فهو الراعي المباشر لكل عمليات الدعم والمساندة السعودية للمجاهدين الافغان خلال الاحتلال السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي، ثم التحول الى مرحلة البناء المليشياوي داخل افغانستان، ثم إنشاء تنظيم "طالبان" ودفعهم الى سدة الحكم، ومن هذه التجربة، إعداد افراد وتنظيمات ارهابية بعقلية تكفيرية ودموية جاهزة لتنفيذ الاوامر. علماً أن الفيصل، يشغل حالياً مدير "مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية". وهي واجهة جيدة له لمواصلة إدارة ملفات قديمة لجماعات وتنظيمات متطرفة في افغانستان وباكستان.
المراقبون والمتابعون للاحداث، يرون أن الجدار الاخير الذي تشعر السعودية أنها تندفع نحوه، هو الذي يجعلها هذه المرة تمتشق سلاحاً جديداً، ربما يكون آخر سهم في جعبتها، متمثلاً بالمسلمين المتواجدين في آسيا الوسطى والقوقاز وايضاً في الاتحاد الفيدرالي الروسي، والدليل على ذلك؛ الاموال الطائلة التي أغدقت على هيئات التبليغ السلفية وعلى آلاف المساجد التي شيدت بدعوى نشر الاسلام والحثّ على الصلاة. فاذا كان في السابق، يغادر الشاب الشيشاني – مثلاً- مدينته ويترك أهله وأسرته في فقرهم وحالتهم المعيشية المزرية بدافع من التعبئة السلفية – التكفيرية، ويتحول الى "بندقية للايجار" في سوريا والعراق وبقاع أخرى، فان هذا الدور سيقوم به افراد آخرون في هذه العائلة او تلك، عندما تتقاطر عليهم الاموال السعودية، وربما يريد السعوديون تكرار تجربتهم مع العشائر السنية في العراق، عندما حولتهم الى "بنادق للايجار" لمواجهة النظام السياسي الجديد في العراق وتضعيفه ما أمكنهم ذلك، وكانت النتيجة ما يراه الجميع.
وقد كان الامير السعودي "المخابراتي" واضحاً جداً مع الروس عندما تحدث عن "عودة بعض هؤلاء الى بلدانهم وقد يحملون السلاح في وجه الحكومة التي يرون أنها تساعد الأسد..."، علماً أنه تعجّل كثيراً في امكانية عودة جميع المقاتلين القادمين من تلك البلاد، الى أهاليهم سالمين بعد ما نلاحظه من دقة الضربات الجوية على مواقع الجماعات الارهابية في سوريا، مما يدلل أن ثمة مخطط متفق عليه بين الروس والاميركان للتخلص من هؤلاء، وهذا ربما لا تجهله الرياض وشخص الامير "المخابراتي" مما يجعله يستعد لتعبئة جحافل جديدة من هذه البلاد لحرب جديدة بالوكالة دفاعاً ليس عن حقوقهم المهدورة وحرياتهم الدينية المصادرة، وإنما عن المصالح السعودية.
اضف تعليق