الحملات السريعة عادة ما تكون اشبه بموجة عابرة تنتهي تأثيراتها بانتهاء آثارها، ويقينا لا يمكن ان يتنازل القادة المؤثرين على المستوى السياسي والاجتماعي، عن ركوب السيارات الداكنة (التاهوات)، وهنا تكون القناعات الشعبية متفاوتة وتأخذ بالتراجع وصولا الى مرحلة التصفير والاختفاء الكلي...

تعاطفت الشعوب العربية مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأكبر إبادة جماعية منذ اغتصاب ارضه ولغاية السابع من أكتوبر عام 2023، وزحف التعاطف حتى وصل الى الجامعات الاوربية والأمريكية احتجاجا على الأساليب الدموية التي يمارسها جيش الاحتلال بحق المدنيين من النساء والرجال والأطفال.

ودخل الشعب العراقي ضمن لائحة الشعوب المناصرة للقضية الفلسطينية، وكجزء من الحق الإنساني والواجب الأخلاقي الذي يحتم النصرة، أطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة المنتجات الأجنبية وعلى وجه التحديد التي يعتقد بدعمها للجوانب الاقتصادية في إسرائيل وامريكا.

الحملة التي اخذت حيزا واسعا في العراق طالت بعض الماركات الامريكية أبرزها ماركة (كاتر بلر) للملابس، و(KFC)، للكنتاكي في مناطق الكرادة وشارع فلسطين في العاصمة بغداد، وهو ما جعل جملة من التساؤلات يتحتم طرحها حول من الذي يقف وراء هذه الحملة؟ ومن المستفيد الأول منها؟ وهل ستؤدي الغرض الأساس من إطلاقها؟

جميع هذه التساؤلات ربما تصعب الإجابة عليها نظرا لعدم معرفة الذي يقف وراءها لكي يفسر مضمونها وكيف يمكن تحقيق أهدافها، وهنا نحاول تسليط الضوء على آثار هذه الحملة وهل تجدي نفعا ام لا؟

وجُهت أصابع الاتهام صوب الجهات الموالية لإيران باعتبارها هي التي تعمل على تأليب الجماهير الداخلية على مهاجمة الماركات الامريكية على وجه التحديد، ويأتي هذا التأليب كورقة ضغط على أمريكا من اجل مراجعة موقفها الداعم لإسرائيل في حربها على فلسطين.

نفس الجهات التي وضعت الاستهداف في خانة الجهات الموالية للجمهورية الاسلامية، قللت من أهمية هذه الحملات وقلصت مساحة تأثيرها على الأوضاع الاقتصادية بالنسبة للشركات الامريكية والإسرائيلية، ويأتي ذلك التقليل نتيجة التجربة السابقة التي مرت على الشعب العراقي، ابان إطلاق حملة دعم المنتوج الوطني ومحاربة المنتجات المستوردة.

استمرت حملة دعم الصناعة الوطنية شهور معدودات واخذت بالتلاشي والتناسي من قبل الافراد، ذلك نتيجة قصور المنتوج الوطني عن تلبية الحاجة المحلية من المنتجات الغذائية وغيرها من الاحتياجات الضرورية.

لذا اخذت الاسر تتراجع عن قرارها بدعم الانتاج الوطني ويمكن ان يكون السبب الأول هو قلة الكميات المنتجة مقابل الاحتياجات الكبيرة، اما السبب الثاني هو رداءة نوعية المنتوج قياسا مع المستورد، فضلا عن سعره المناسب، حتى اندثرت هذه الحملة وعادت الأمور كما كانت عليه في السنوات السابقة.

من اطلع على تجربة المقاطعة القديمة يجزم بفشل حملة المقاطعة هذه، في الوقت الذي يطمح فيه العراق الى توسيع خريطة الاستثمارات الأجنبية فيما يخص ماركات الاكل والملابس وأخرى تتعلق بالمواد المنزلية وغيرها، وقد تكون هذه الحملة هي بداية النهاية بالنسبة لنهوض القطاع التجاري والاستثماري في البلد وجعله بيئة طاردة للاستثمار على عكس الرغبة الحكومية وسعيها الدائم لتحفيز الاستثمار عبر الزيارات المتكررة للأقطاب الدولية.

ومن عوامل فشل هذه الحملات هي الترويج لها من قبل أطراف او جهات لم تلزم نفسها بضوابط المقاطعة، نأخذ على سبيل المثال بعض الشخصيات تدعوا للمقاطعة وهي تستقل سيارة ذات منشأ امريكي، ويغرد من جهاز امريكي الصنع، ويرتدي ملابس من أفخم الماركات العالمية، فكيف يتأثر الشعب بقادة الراي وهم على هذه الشاكلة؟

الحملات السريعة عادة ما تكون اشبه بموجة عابرة تنتهي تأثيراتها بانتهاء آثارها، ويقينا لا يمكن ان يتنازل القادة المؤثرين على المستوى السياسي والاجتماعي، عن ركوب السيارات الداكنة (التاهوات)، وهنا تكون القناعات الشعبية متفاوتة وتأخذ بالتراجع وصولا الى مرحلة التصفير والاختفاء الكلي.

اضف تعليق