وحتى مع الخسارة الكبيرة في الدعم من القادة الأوروبيين فمن غير المرجح أن تغير حسابات الحكومة الصهيونية موقفها من الحرب او تتراجع، لأسباب عديدة تتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد بقاؤه السياسي على الحرب ولديه مبرر لإطالة أمد الحرب، ففي الغالب فإنه سيفعل ذلك...

بعد اعلان الكيان الصهيوني عزمه فرض السيطرة الكاملة على محور فيلادلفيا والمنطقة العازلة بين غزة ومصر، واستمراره بالحرب على القطاع حتى مطلع العام المقبل، نفذت حكومة الاحتلال غارات جوية مكثفة في رفح أسفر عن استشهاد العشرات واصابة المئات من المدنيين الفلسطينيين بعد أيام قليلة من قرار محكمة العدل الدولية الملزم للكيان بوقف هجومها على رفح، وصدور مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه غالان؛ أثارت هذه الغارات التي بدأت يوم الأحد الماضي إدانة دولية واسعة النطاق، وعلى الأخص العديد من القادة في أوروبا، اذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه "غاضب" من الهجوم الكثيف على رفح، وأنه لا توجد مناطق آمنة في رفح للمدنيين الفلسطينيين.

ودعا منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، حكومة الكيان إلى وقف عملياتها في رفح، وهو رأي ردده ايضاً وزيرا خارجية إسبانيا وألمانيا، وكذلك وزير الدفاع الإيطالي، من بين مسؤولين آخرين رفيعي المستوى في دول الاتحاد الاوروبي.

وفق استمرار هذه الانتهاكات قام زعماء الدول الأوروبية التي تدعم حكومة الاحتلال بتغيير خطابهم بشأن الحرب في غزة منذ بعض الوقت، ويرجع ذلك جزئياً إلى تحول واسع بين سكان تلك البلدان التي بدأت تضغط على حكوماتها منددة بدعم الكيان ومحتجة على عدم الادانة له.

ففي الأشهر الثمانية المنصرمة تقريباً، منذ بدأت الحرب بين الكيان وحماس، واجه الزعماء الأوروبيون دعوات متزايدة لبذل المزيد من الجهد للضغط على تل ابيب لحملها على حماية المدنيين الفلسطينيين، في حين انخفض الدعم للعمليات الصهيونية على غزة، ويصدق هذا الحال حتى على ألمانيا، التي كان دعم أمن الكيان يعتبر قضية تحظى بالإجماع منذ الحرب العالمية الثانية.

ويعد هذا التحول، الذي مثلته موجة الإدانة للكيان من الزعماء الأوروبيين منذ يوم الأحد الماضي الأكثر تأثيراً والأكثر وضوحاً إلى حد ما، منذ عام ١٩٤٨ تجاه القضية الفلسطينية، ويمكن تفسير ذلك إلى حد كبير بعاملين اضافة الى ما ذكرناه اعلاه:

١- القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة المتمثل بالرئيس جوزيف بايدن في وقت سابق من هذا الشهر بإعلان ادارته لن تقدم أسلحة هجومية داعمة للكيان لاستخدامها في الهجوم على رفح.

٢- إصدار محكمة العدل الدولية حكما طارئاً يوم الجمعة الماضي يلزم الكيان بوقف هجومه العسكري على رفح، واصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.

هذا التحول في المواقف الاوربية، لم ينحصر في ايقاف الدعم والاستجابة للضغوطات السكانية في بلدانها، بل شمل اعادة النظر بالموقف من القضية الفلسطينية في المحافل الدولية اذا قبلت ١٤٣ دولة في الامم المتحدة بعضوية فلسطين كدولة في المنظمة الاممية بعدما كانت عضوا مراقباً، كما اعترفت حكومات ثلاثة دول اوربية، ايرلندا، النرويج، اسبانيا، بالدولة الفلسطينية، ولحقت بالسويد التي كانت قد اعترفت بها عام ٢٠١٤، بشكل وضع الكيان الصهيوني بزاوية حرجة دفعته الى التصعيد، ما يعني ان العزلة الدولية والنفور الاممي من الكيان سيتصاعد وتتزايد التحديات ازاء التأقلم الدولي للكيان ويعقد مشهد التطبيع الاقليمي والعربي ومشاهد السلام في المنطقة الذي يعول عليه الاحتلال الصهيوني.

لقد وفر الموقف الأمريكي غطاءً للقادة الأوروبيين لتغيير مواقفهم المعلنة بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية على رفح والموقف من القضية الفلسطينية برمتها. ومن ناحية أخرى، تولت محكمة العدل الدولية؛ تسليح الزعماء في مختلف أنحاء أوروبا، والذين أعرب أغلبهم بالفعل عن معارضتهم للهجوم الإسرائيلي على رفح، كوسيلة لإدانة الهجوم الإسرائيلي على القطاع تحت غطاء احترام القانون الدولي، وليس التحول الرسمي في المواقف الدولية فحسب.

في الواقع، يستخدم زعماء الاتحاد الأوروبي الآن هذا المنطق لزيادة ضغطها على تل ابيب، حيث تفيد التقارير أن بروكسل تخطط لإصدار إنذار نهائي تجاه الكيان، إما تأييد حكم محكمة العدل الدولية، أو مواجهة عواقب قد تؤثر على العلاقة الاقتصادية للبلاد مع الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، وحتى مع الخسارة الكبيرة في الدعم من القادة الأوروبيين فمن غير المرجح أن تغير حسابات الحكومة الصهيونية موقفها من الحرب او تتراجع، لأسباب عديدة تتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد بقاؤه السياسي على الحرب ولديه مبرر لإطالة أمد الحرب، ففي الغالب فإنه سيفعل ذلك، واسباب تتعلق بشيطنة وتجريم حماس وقادتها وافتعال مواقف ادانة ضدها تتيح الاستمرار بالحرب، فضلا عن موقف محور المقاومة الداعم لحماس الذي يتيح للكيان التعكز على مخاطر وجودية من هذا المحور تسمح له بالتصعيد ضد غزة.

كما وجد نتنياهو مبررات متعددة اخرى قبل ايام من خلال قرار محكمة العدل الدولية الذي فسرته تل ابيب بأنه يسمح في الواقع لها بمواصلة هجومها على القطاع بعد مذكرة القاء القبض على السنوار وهنية..، وبررت حكومة الحرب إن الغارة الجوية الصهيونية يوم الأحد التي استهدفت اثنين من قادة حماس، دليل على أن الهجوم في رفح ضروري لإكمال هدف الكيان للقضاء على حركة حماس.

ويجد المنتقدون الدوليون للهجوم الصهيوني بما في ذلك العديد من القادة الأوروبيين الآن، أن هذه الحجج مشكوك فيها، وليست قوية، لكن بالنسبة للحكومة الصهيونية، قد لا يكون هذا مهماً، المهم من كل ذلك، ان الموقف الداعم الاوروبي للكيان الصهيوني بدأ يتزعزع ويتراجع وهذا سيدفع بتراجع الدعم العالمي للكيان، والتحول ازاء دعم القضية الفلسطينية تدريجياً.

في الحقيقة مع كل العوامل المذكورة التي حققت هذا التحول في المواقف الاوربية والدولية فهي ترتبط بعاملين محوريين، وهما: قوة وقدرة حركات المقاومة الفلسطينية، واستمرار دعم محور المقاومة في المنطقة لفلسطين، وبذلك فإن فرص الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة، وحل الصراع الفلسطيني الصهيوني بدعم دولي سيتزايد والعكس صحيح تماماً.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net


اضف تعليق