اثبت القادة العرب في قمة المنامة ان القضية الفلسطينية مجرد خطاب شعبوي لا قيمة له على ارض الواقع، وان القرارات المصيرية ليست بيدهم، بل بيد الولايات المتحدة واسرائيل، فقبل يوم واحد من قمة المنامة رفض نتنياهو استبدال حكم حماس بفتح، واكد رفضه لأي حل او انهاء...

انعقدت يوم الخميس ١٦/٥/٢٠٢٤ وفي توقيت واحد جلسة استماع لمحكمة العدل الدولية في لاهاي حول الانتهاكات الاسرائيلية التي مارستها وتمارسها في حربها على غزة، وايضاً مؤتمر القمة العربية الثالث والثلاثين في المنامة، للتباحث حول هذه الحرب في مصادفة تاريخية تزامنت مع ذكرى مرور ٧٦ عاماً على نكبة احتلال فلسطين عام ١٩٤٨.

من المفترض ان لا مقارنة بين الحدثين، فكان يجب ان نشهد قرارات ومواقف عربية حاسمة لإيقاف هذه الحرب والتحرك بإجماع ضد الكيان الصهيوني ودعم القضية الفلسطينية بشكل مفتوح واسناد الشعب الفلسطيني وانهاء الحرب على غزة ودعم المقاومة الفلسطينية، مقابل دعوى شكلية لمجموعة من الدول غير العربية في محكمة العدل الدولية لا تتفاعل بشكل واسع مع انتهاكات تل ابيب في حربها على غزة وليس لديها مصالح مباشرة مع فلسطين.

لكن حينما نقارن بشكل موضوعي بين ما حدث في لاهاي وما تم في قمة المنامة سنجد ان التفاعل تجاه غزة والقضية الفلسطينية كان كاملاً في المحكمة، في حين لم يكن كذلك في البحرين فكانت المأساة في غزة قضية ثانوية اذ نوقشت ضمن الفقرة الثالثة من حيث جدول الاعمال في المنامة.

اما في لاهاي قدم الفريق القانوني والدبلوماسي لدولة جنوب افريقيا في المحكمة ملف متكامل ووثائق وادلة تثبت ان اسرائيل ارتكبت جرائم حرب وابادة جماعية وتطهير عرقي في غزة، من حيث استهداف المدنيين والاطفال والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس وحتى بعثات الاغاثة العاملة في غزة لأغراض إنسانية، وبدا الملف مكتمل اركان الادانة ضد الكيان الصهيوني.

في المنامة شاهدنا مفارقة عجيبة مثلها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حينما ندد بهجوم المقاومة الفلسطينية على الاحتلال في ٧/١٠/٢٠٢٣، واعتبر عملية طوفان الاقصى ومن دعمها هي السبب الذي اوصل الحال على ما هو عليه الان في غزة.

اما كلمات القادة العرب فلم تكن الا خطابات واسهاب حول الحرب دون اتخاذ اي قرار او موقف حاسم ازاءها، فلم يتم الحديث عن المقاطعة الشاملة للكيان لوجود دول لديها تطبيع معها او علاقات او قنوات اتصال كمصر والبحرين والامارات والاردن وقطر والسعودية، ولم تتخذ هذه الدول قراراً واحدا يدعم المقاومة لا عسكرياً ولا اقتصادياً ولا دبلوماسياً، كان من المفترض والمتوقع ان يكون الخطاب العربي للقادة منصباً في مسار واحد: توحيد الموقف العربي الداعم والمناصر لفلسطين والرافض لحرب الكيان الصهيوني على غزة، مع اتخاذ قرارات مصيرية لتنظيم وحدة الصف العربي وحشد قواتها ضد الاحتلال بكل الاتجاهات والسبل الممكنة وتشكيل اطار تصعيدي ضاغط على الكيان لنصرة غزة، لكن حينما ننظر الى البيان الختامي الذي عرف بإعلان المنامة سنجد فيه ما ينسف كل ما هو مفترض من توقعات، ليركز الاعلان على العبارات التالية التي لم تتعدى المطالبات والدعوات التي سنذكرها تباعاً:

1- اتخاذ اجراءات عاجلة لوقف اطلاق النار الدائم والفوري، لم تحدد هذه الاجراءات ولم يتم الاتفاق عليها وكيفية تنفيذها؟.

2- إنهاء العدوان في قطاع غزة، وتوفير الحماية للمدنيين، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين. هذه دعوى للكيان الصهيوني وكأنها التماس دون تحديد ما هو خلاف عدم الاستجابة لذلك!.

3- نجدد رفضنا الكامل وبشدة لأي دعم للجماعات المسلحة أو المليشيات التي تعمل خارج نطاق سيادة الدول، وتتبع أو تنفذ أجندات خارجية تتعارض مع المصالح العليا للدول العربية، هذا النص عمليا يمنع اي دعم للمقاومة الفلسطينية ومن يدعمها، ويسميها بالميلشيات والجماعات المسلحة!.

4- التأكيد على التضامن مع جميع الدول العربية في الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها وحماية مؤسساتها الوطنية ضد أي محاولات خارجية للاعتداء، أو فرض النفوذ، أو تقويض السيادة، أو المساس بالمصالح العربية. وهذا النص يعني ان هنالك تداعيات للحرب على غزة ليس سببها الاحتلال بل من يقاومه وكأنها مقايضة وتهديد لمن يقدم الدعم لغزة من قوى المقاومة خارج فلسطين والمقصود حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة في العراق.

5- نؤكد التمسك بحرية الملاحة البحرية في المياه الدولية وفقاً لقواعد القانون الدولي واتفاقيات قانون البحار، وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، وندين بشدة التعرض للسفن التجارية بما يهدد حرية الملاحة والتجارة الدولية ومصالح دول وشعوب العالم. المقصود هنا مواجهة حركة انصار الله الحوثية في اليمن التي دعمت القضية الفلسطينية وغزة.

في نصوص هذا البيان اعلاه نجد ان التحريض والمواقف الصلبة لم تكن ازاء الكيان الصهيوني وانتهاكاته في حربه على غزة في الضفة الغربية والمخيمات، بل التصعيد والشدة والحسم كان ضد المقاومة الفسلطينية ومن يساندها، التي تعامل معها العرب رسميا على انها خطر ماثل امام الاجماع العربي، ولا تمثل فلسطين ولا الشعب الفلسطيني، كما انها ادانت كل من يقف مع المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان واليمن والعراق في سياق استهداف مباشر لها بشكل اوضح واقوى من ادانتها للعدوان الصهيوني لغزة.

اثبت القادة العرب في قمة المنامة ان القضية الفلسطينية مجرد خطاب شعبوي لا قيمة له على ارض الواقع، وان القرارات المصيرية ليست بيدهم، بل بيد الولايات المتحدة واسرائيل، فقبل يوم واحد من قمة المنامة رفض نتنياهو استبدال حكم حماس بفتح، واكد رفضه لأي حل او انهاء الحرب على غزة، ورفض اقامة دولة فلسطينية على ارض فلسطين او مبدأ حل الدولتين، وفي ذات التوقيت طرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خطة عمل واضحة بشأن مستقبل غزة بما يعني أنهما تصرفا وتحدثا بشكل موثوق ان القادة العرب والنظام العربي ليس له اي دور او كلمة يحسب لها حساب سوى موقف المتفرج الذي يصرح بعبارات لا قيمة لها، بل الطرفان واثقان ان الانظمة العربية ستدخل في مسار التطبيع مع اسرائيل، وان النظام العربي لا يتجاوز موقف المتفرج ازاء اسرائيل بل الاصح انه يتعجل في محو غزة والقضاء على المقاومة.

في حين اذا ما نظرنا الى ما حصل في لاهاي بنفس اليوم، نجد ان جنوب أفريقيا، ونيكاراغوا وكولومبيا وإيرلندا ودول أخرى، لديها مقاربات ومواقف داعمة وواضحة في النظرِ إلى الحرب على غزة بانها مخالفة للقانون الدولي الانساني يستوجب على محكمة العدل الدولية اتخاذ مواقف ضد اسرائيل ونتنياهو ومن يدعم هذه الحرب، واعتبرت هذه الدول ان المقاومة الفلسطينية قضية تحرر وطني وكفاح مشروع ضد الاحتلال الصهيوني بشكل تكفله كل القوانين والقرارات الدولية المرعية، وهذا ما شاهده واستمع إليه المجتمع الدولي في لاهاي يوم الخميس على لسان دولة جنوب أفريقيا، وهي تخوض مع مجموعة دول اجنبية ليست عربية ولا تجمعها مع فلسطين اي مشتركات دينية او قومية او تقارب جغرافي، معركة قانونية ودبلوماسية، وكأنها مفارقة ان يتنصل العرب عن فلسطين وحقوقها ويدعمها من لا تجمعه معها الا المشتركات الانسانية.

ان وضع القضية الفلسطينية بين منظورين عربي وأجنبي سواء في اطار سياسي كما شاهدناه في لاهاي، او في اطار شعبي كما شاهدناه في احتجاجات طلبة الجامعات الامريكية والغربية الداعمة لغزة والرافضة لحرب اسرائيل عليها، وما حصل في قمة المنامة الذي لم يكن اكثر من اجتماع بلاغي كلامي اكد هذه المفارقة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net


اضف تعليق