ليس أمامك من سبيل لتبديد الملل من طول الطريق وانت تنتقل من محافظة الى أخرى سوى أن تُجبر نفسك على النوم قدر ما تستطيع، فليس في الطريق ما يشد ناظريك ويدخل البهجة الى نفسك، طرق وأمكنة تجعلك تكره روحك، ويصير معها الوقت ثقيلا، ولا ينقضي الا بشق الأنفس...
ليس أمامك من سبيل لتبديد الملل من طول الطريق وانت تنتقل من محافظة الى أخرى سوى أن تُجبر نفسك على النوم قدر ما تستطيع، فليس في الطريق ما يشد ناظريك ويدخل البهجة الى نفسك، طرق وأمكنة تجعلك تكره روحك، ويصير معها الوقت ثقيلا، ولا ينقضي الا بشق الأنفس، ولو كنت غير مضطر للسفر لما أقدمت عليه اطلاقا، ألا تلاحظ ان جل تنقلاتنا مجبرين عليها، ويندر أن تحدث أحداها برغبتنا؟
وحتى التي نقوم بها باختيارنا، نحن مجبرون عليها تحت الضغوط، لا سيما تلك تحدث في الأعياد وبعض العطل، اذ ينتابك شعور بتأنيب الضمير ازاء عائلتك رهينة السجن المؤبد داخل البيت، فتضغط على نفسك، وعلى مضض تقرر السفر بهم الى هذه المحافظة او تلك لزيارة أقرباء او لتوافرها على أماكن للترويح غير موجودة في محافظتك، وانت تعلم علم اليقين حجم المنغصات التي ستواجهك في هذه الرحلة الاجبارية التي تتظاهر أمام عائلتك بأنك سعيد بها.
في دول العالم الطرق ممتعة، ولا تقل متعتها عن المتنزهات العامة، ومع ثقل النعاس في عينيك، لكنك تفتحهما بأصابعك كي لا يفوتك أحد مناظرها، فقد زرعت مقترباتها بالأشجار الكثيفة والزهور الملونة، وأثثت أماكنها بالمصاطب وغيرها مما يحتاجه المسافر عند توقفه للاستراحة، يلعب أطفاله من حوله، وقد تتخذ أمكنة لتناول وجبة غذائية على الهواء الطلق.
بينما مقتربات شوارعنا استولى عليها المتنفذون الا ما ندر لتتحول الى مطاعم ومخازن للبضائع ومعارض للسيارات ومحال لبيع المواد الانشائية وغيرها مما لا يناسب المكان أصلا، فحرموا الناس مما يمكن استثماره للترويح مجانا، بخاصة من العوائل متوسطة الحال التي ليس بمقدورها ارتياد المطاعم والمتنزهات التي تثقل كواهلهم بمبالغ مالية باهظة، مثلما استولوا على المناطق المطلة على الأنهار كما هي الحال مع نهر دجلة وسط العاصمة، فضيقوا من مساحة أرصفة النهر (الكورنيش) التي تتيح للأهالي تمضية أوقاتهم والاستمتاع برؤية منظر النهر.
لم أر طريقا على وجه الاطلاق بين محافظاتنا جميلا وممتعا، حتى يغدو معه مصطلح (التلوث البصري) قاصرا عن التعبير، طرق تمتد على طولها الفضاءات الخالية من الخضرة، وتنتشر فيها الأنقاذ المبعثرة والأكشاك العشوائية المبنية من (البلوك والجينكو) وغيرها مما يلوث البيئة ويخدش النظر، فتعود بنظرك الى داخل المركبة فتجد غالبية العيون مغمضة، وليس بمقدورك التمييز بين النائمين حقا، والذين أغمضوا عيونهم مللا، والبقية غارقون بنعمة الانترنيت، يبحرون في عوالمه تجوالا ودردشات، تبديدا لأوقات تمتد لساعات أحيانا بسبب ازدحامات ناتجة عن كثرة السيارات او السيطرات الأمنية او العمل في طريق من دون توفير البديل كما يحدث في أغلب مشاريع تطوير مداخل العاصمة.
اما اذا كان السفر ليلا، وهذا ما يفضله البعض، فربما يتسلل النعاس الى العيون وسط ظلام المركبات والشوارع، لكن كيف يغفو من يخيم عليه القلق والتوتر من أن تقع المركبة في مطب او تخرج عن حدود الشارع او الاصطدام بحيوان يفاجيء السائق؟
ربما ينبري لي أحدهم ويقول يا رجل: ما بالك تتحدث عن الطرق الخارجية، أنظر الى وسط المدن، بل أنظر الى المناطق التي تعد راقية في وسط العاصمة، المنصور والكرادة مثالا، ألم تر بؤس أرصفة الجزرات، وقذارة الأكشاك التي اتخذ أصحابها من الرصيف مكانا لبيع الشاي والخضروات، او محال تبديل الزيوت، هل رأيت الأشجار المهملة والنفايات المتكدسة، ويختمها هل رأيت مكانا يستحق أن تلتقط فيه صورة لتقول : كنت هنا في المدينة التي كانت منارة للبشرية؟
من حقه أن يقاطعني، ومن حقي أن أقول له: يبدو ان الكثير من مسؤولي مركبتنا الجديدة نيام، لا، رجاء، لم أقل فاسدين، خذ حذرك، فهناك من يستغلها لاتهامي بالاساءة لمبدعين أحدثوا تحولات في حياتنا كتلك التي حدثت في سنغافورة.
اضف تعليق