ما أود تأكيده ان كرة القدم بوصفها اللعبة الأكثر شعبية في العالم لم تعد مجالا للمتعة والتسلية فحسب، بل جزءا من نشاط العلاقات العامة للدول، من خلالها تلفت أنظار شعوب العالم اليها، وتُحسّن صورتها في أذهانهم، كما هي صورة البرازيل والأرجنتين في أذهان الشباب الذين لا يعرف بعضهم أين تقع هاتين الدولتين على الخريطة...
ثلاثة مقالات رياضية، هي كل ما كتبته طوال حياتي الصحفية التي بلغت أكثر من ثلاثين عاما، مقابل المئات من المقالات السياسية والاجتماعية والتربوية، بالرغم من اهتمامي وممارستي للرياضة حتى الخمسين من عمري، فغالبا ما أتجنب مزاحمة أهل الاختصاص، وأول مقال كتبته كان في العام (2002)، أي قبل أكثر من عشرين عاما، وعبرت فيه عن اعجابي بأداء الفريق البرازيلي الذي توج ببطولة كأس العالم، والثاني في العام (2007) بمناسبة فوز منتخبنا بكأس أسيا الذي توحد به العراقيون بعد العتمة التي خلفتها الطائفية، وكان بعنوان (اغتنموا المزاج الرائق) دعوت فيه الحكومة الى استثمار أجواء الفرح والتفاؤل لإطلاق مصالحة وطنية حقيقية تعيد لشعبنا تماسك نسيجه الاجتماعي .
بعدها توقفت عن متابعة منتخبنا لكثرة الاحباطات التي تعرضنا لها بسبب مستواه المنخفض ونتائجه الفاضحة، حتى جاءت الصحوة اللافتة في بطولة الخليج العربي التي اقيمت في البصرة والتي أعادت الينا الأمل، فحفزتني انجازاتها لكتابة مقال بعنوان (البصرة تستعيد صورتها)، اذ لاحظنا تطورا ملحوظا ليس على مستوى أداء المنتخب، وانما على مستوى التنظيم، فلأول مرة يقترب تنظيم فعالية عراقية من تنظيم الفعاليات الدولية .
وها أنذا أكتب لكم الرابع، وبالتأكيد توقعاتكم صحيحة، سأتناول ما جرى للمنتخب في مباراته مع الفريق الأردني الشقيق، ومع ان كلامي متأخر، لكن الموضوع ما زال قابل للنقاش بالرغم من كثرة ما قيل فيه، ما أريد قوله لا يتوقف عند الحالة العدائية الواضحة للحكم ازاء بلادنا بوصف المنتخب يمثل العراق، بخاصة وان له سوابق مماثلة ذكرها محللون رياضيون ولاعبون سابقون في منتخباتنا الوطنية، لكن السؤال: ما الأسباب التي تجعل هذا الحكم معاديا لبلادنا، هل أتى ذلك بفعل حقد راسخ، ام تلقيه رشاوى من متآمرين على منتخبنا؟ ولِمَ لم تخطر على بال الجهاز الاداري للفريق سوابق هذا الحكم للاعتراض مسبقا على تحكيمه لمبارياتنا، أليسوا هم المكلفون بالتفكير بشؤون الفريق؟
لا أريد تكرار انتقاد الجهاز الاداري لتقصيره في تثقيف اللاعبين بما يحميهم من ارتكاب تصرفات طفولية او استفزازية او ما يخالف قانون اللعبة او عدم فائدة الاعتراض على الحكم او تجنب الغرور، فهذه ليست البطولة الأولى التي نخسر فيها بسبب سلوكيات غير مقبولة، وهنا لا نحمل اللاعبين مسؤولية ذلك، بل يقع اللوم على الجهاز الاداري، بحكم ان أعمار اللاعبين صغيرة، ومشاركاتهم الدولية محدودة، ويُحتمل أن تصدر عنهم سلوكيات مرفوضة .
ما أود تأكيده ان كرة القدم بوصفها اللعبة الأكثر شعبية في العالم لم تعد مجالا للمتعة والتسلية فحسب، بل جزءا من نشاط العلاقات العامة للدول، من خلالها تلفت أنظار شعوب العالم اليها، وتُحسّن صورتها في أذهانهم، كما هي صورة البرازيل والأرجنتين في أذهان الشباب الذين لا يعرف بعضهم أين تقع هاتين الدولتين على الخريطة، لكن انجذابا نفسيا يربطهم بهما، وهو ما يفترض بالجهات المعنية ايلاء مشاركاتنا الرياضية الدولية اهتماما استثنائيا .
كلنا متفقون على ان الألعاب الرياضية خسارة وفوز، هذا صحيح، ولكن عندما يُشحن المجتمع بصورة غير طبيعية بالبرامج والأغاني الحماسية، تغدو معه الخسارة انكسارا، والتعرض للظلم حقدا وكراهية، بدلالة ان الكثير من الشباب وكما سمعت ولا حظت باتوا يتمنون في البطولة الحالية (كأس آسيا) خسارة الفرق العربية أمام الفرق الأجنبية، وهذا يعكس الحالة النفسية السلبية التي ستمتد لا شعوريا نحو أشقائنا دولا وشعوبا .
ان الانجاز الكبير الذي حققته بطولة الخليج في البصرة ليس جودة التنظيم وفوز المنتخب في البطولة فحسب، بل في الوئام والمحبة والانسجام الكبير بين العراقيين واخوانهم الخليجيين، وتعريف عموم المجتمعات العربية بخصائص ونفسية العراقيين الكريمة والطيبة والمتسامحة بعد انقطاع دام لعقود جعل الشباب العربي لا يعرف عن العراقيين الا ما تنقله وسائل الاعلام الذي كان في غالبيته سلبيا، للأسف ما بنته البصرة هدمته الدوحة .
اضف تعليق