فمن يريد الارتقاء بكربلاء الى مدارج القيم الانسانية مثل؛ الحرية، والمساواة، والعيش الكريم، عليه المساهمة في نشر هذا التراث لابناء الجيل الجديد، فالخالدين من العلماء والأدباء والخطباء، وحتى افراد عاديين كانوا يحملون قبسات من النهضة الحسينية، ثبتوا اسمائهم في قلوب الناس من خلال كلماتهم ومبادراتهم ومواقفهم المتطابقة مع القيم...
بسبب معركة وقعت بين الامام الحسين، واصحابه واهل بيته، وبين الجيش الأموي على أرض كربلاء سنة 61للهجرة، الموافق 12-10-860للميلاد، واستشهاده مع اصحابه وموارتهم الثرى في هذه الأرض، اكتسبت كربلاء صفات وعناوين عدّة، فصارت مقدسة، ثم معقلاً للثوار قديماً، ونموذجاً عالمياً يقتدون به حديثاً، وملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء، ثم مدينة التسامح والتعايش بين الطوائف الدينية والعرقية، وهي اليوم من أبرز المدن الدينية ذات الصبغة الدينية انفتاحاً على العالم، وأضحت نقطة مضيئة مثيرة للاهتمام لأصحاب الديانات والمذاهب، وللباحثين الاكاديميين، وحتى لصانعي القرار السياسي.
فيالها من نعمة عظيمة، وفرصة تاريخية وحضارية لمن ينتمي اليها ليرتقي مدارج الكمال في الحياة بما سمت اليه النهضة الحسينية، و أراها من طبيعة المتطلعين الى النجاح والتفوق؛ الاقتداء بالنماذج الناجحة في الحياة لاقتباس شيء من تجاربهم في الحياة، فلا يُعقل القيام بأعمال تناقض هذه التجارب والعِبر.
وبما أن الوعي والثقافة تحلّق بين جناحي؛ المؤسسات الثقافية الخاصة، والمؤسسات الحكومية، فان المسؤولية موزعة على العلماء والأدباء والخطباء والاعلاميين والتربويين، الى جانب المعنيين في مؤسسات الدولة، لأن يحافظوا على تراث كربلاء، وهويتها الحقيقية، ليس اليوم، بل كل يوم، وعلى طول الخط، و أرى أن المهمة تعود بالنفع الى اصحابها قبل ان تعود الى أرض كربلاء نفسها، فهي تحمل قداستها ومحوريتها الحضارية بذاتها، فمن يريد الارتقاء بكربلاء الى مدارج القيم الانسانية مثل؛ الحرية، والمساواة، والعيش الكريم، عليه المساهمة في نشر هذا التراث لابناء الجيل الجديد، فالخالدين من العلماء والأدباء والخطباء، وحتى افراد عاديين كانوا يحملون قبسات من النهضة الحسينية، ثبتوا اسمائهم في قلوب الناس من خلال كلماتهم ومبادراتهم ومواقفهم المتطابقة مع القيم التي ضحى من أجلها الامام الحسين يوم عاشوراء، فكانوا عوناً للمظلوم، وصرخة شجاعة بوجه الظالم، و يداً حانية للشباب، وفكراً مضيئاً للمجتمع والأمة.
إن كربلاء الحسين لن يطالها التشويه في مظاهرها العامة، من شوارع وحدائق وأسواق، ومراكز حكومية وتجارية، وكل شبر منها، مادام الضخ الثقافي متدفقاً، والتعريف بنهضة الإمام الحسين، بل وبشخصيته الاستثنائية، حاضراً في المناهج التربوية والتعليمية بالمدارس والجامعات، وفي المناهج التربوية داخل البيوت، وفي السلوك العام، فالقضية ليست خاصة بالحوزة العلمية كونها تمثل الواجهة الدينية في المجتمع حالياً، ولا بجماعة أو شخصية معينة، بقدر ما هي مسؤولية جميع المتعلمين والمثقفين وكل المشتغلين بالفكر والنشاط الذهني، فقد كانت مشكلة الامام الحسين مع أهل الكوفة ومع الامة بشكل عام آنذاك، هي غياب الوعي والتفكّر، وتغليب الرغبات والنزعات النفسية، فكان الجُبن، والخذلان، والنفاق، والتزلف عند الأكثر قوة، لكنهم لم يكسبوا سوى الخسران في الدنيا، واللعنة على ألسن الاجيال التي اكتشفت فيما بعد وجود حقائق ثابتة لا تتغير، وهي؛ أن الكذب، والخيانة، والتنكّر للقيم السماوية لن تحقق للانسان السعادة التي يبحث عنها، بينما قيم الحق والفضيلة هي السبيل الوحيد لبناء الشعوب وتقدمها، إنما يحتاج الأمر الى شجاعة حسينية ليس بالضرورة أن تتضمخ بالدماء، يكفي أن تكون شجاعة في التدبير والتفكّر في عواقب الأمور، و المطابقة بين ما يريده الانسان لنفسه، وما تريده شريعة السماء لقادم الأيام من عمره، بما لا يدركه عقله، وما لا يلحق به الضرر والندم في حياته، فكلما كان التطابق أكثر، كنا أقرب الى الفلاح والصلاح، وهذا ما يريده لنا الامام الحسين في حديثه الذي يبحث فيه عن أهل الدين والتديّن "الديانيون" قال، عليه السلام: "الناس عبيد الدنيا والدين لعِقٌ على ألسنتهم فاذا مُحِصوا بالبلاء قلّ الديانيون".
اضف تعليق